الأحد، سبتمبر 05، 2010

إلى الأخ الأب جورج مسوح ... تمسك بحُلُمِك وبحِلمك فنحن متمسكون بعقلك وبعلمك , تعقيبا على مقالتك "التدين والحرية الشخصية"



نشرته جريدة النهار في صفحة مذاهب وأديان اليوم الأحد 05 أيلول 2010 - السنة 78 - العدد 24154
إلى الأخ الأب جورج مسوح ... تمسك بحُلُمِك وبحِلمك فنحن متمسكون بعقلك وبعلمك
تعقيبا على مقالتك "التدين والحرية الشخصية"
الشيخ علي حسن خازم - بيروت في 29 - 8 -2010
قرأت مقال الأستاذة هيام القصيفي "المطاوعة" في وسط بيروت ! في جريدة النهار في يومها 25- 8 - 2010 فلم يستفززني بل تبسمت منه ونقلته إلى بعض أقاربي في سهرة رمضانية على سبيل التعجب من بعض المسلمين الذين يتخيرون أنواع النبيذ الذي يقدمونه ويستربحون منه في مطاعمهم وصالاتهم ثم يتحرجون ويتاثمون في شهر رمضان . ويبقى أن مقالتها مرًّت كتجربة شخصية لم تتفلسف فيها ولم "تكبِّر" الحكي على حد تعبيرنا اللبناني.
وأتفهَّمُ أن كاتبة مسيحية غير معنية بمقارنة الأديان قد لا تعرف حكم مجالسة شاربي الخمر على مائدة واحدة عند المسلمين وانه يوجب على المسلم - لا على غيره - مفارقة المائدة , وان الأولى له أن لا يدخل هذه الأماكن أما لو اضطر فليختر مائدة ليس عليها خمور.
وكنت قد قرأت مقال الأستاذ جان عزيز في جريدة الأخبار في 19 - 8 - 2010 تحت عنوان من احتكار «المسيح» إلى «إمارة» صيدا وقد سبق الأستاذة هيام القصيفي في استخدام تعبير المطاوعة في قوله : "ما الذي يكفل عدم تطور مشروع «الإمارة» تلك إلى نظام المطاوعة، المطبّق أصلاً في الواقع، في أحياء كثيرة يعرفها العارفون ويسكتون عنها؟"
ولم يستفززني ايضا , لأنه ناقش على أساس مرجعي مشترك هو الدولة وقوانينها والميثاق وإن لامس الفكر الديني في مكان لكنه ظل تحت سقف "الدولة", وفي إطار التساؤل المشروع.
لكن ما قرأته لك وبكل صراحة فقد إستفزني لدرجة الرغبة بالتأكد من نسبة المقال إلى شخصية أعتز بكثير مما تكتبه فأعيد نشره في مدونتي الخاصة بالحالة الإسلامية وأدعو إلى مطالعته , وأما وقد تأكدت النسبة فاسمح لي بالمصارحة والمكاشفة التالية :
أولا : لم تكن بحاجة إلى التمسك بقاعدة الستة وستة مكرر لتناقش قضية الحرية في مجتمع متعدد فتاتي بقضية من عند بعض المسيحيين لتتوازن في أصل هجومك[1] على "بعض المسلمين" تحت عنوان "المتشددين" ولتطال المسلمين المتدينين عموما بعد ذلك مع فارق كبير في حجم المساحة ونمط المعالجة لقضية مسلسل المسيح إذ لم تأخذ سوى ثمان وعشرين كلمة بالعدد من أصل خمسماية وتسع وتسعون كلمة, والموضوعان ليسا سواء بإقرارك... وإذن؟ فالثمانية وعشرون كلمة هي للدلالة على أنك اليوم غيرك !
أما أنك تطاولت على المسلمين عموما فبقولك عن المتدين لا عن المتشدد :
" فلمَ يريد المتديّن من الناس أن يشاركوه في شعائره أو في معتقداته اذا كانوا لا يرغبون بذلك؟"
ثم تكمل اسئلتك:
"ألا يتوجّب على المتديّن احترام المخالف لمعتقداته، طالما هو لا يؤذيه ولا يعطّل فرائضه، بدلاً من أن يفرض عليه السلوك بما يوافق رأيه؟
لماذا يطلب من الآخر احترامه فيما هو نفسه لا يحترم قناعات الآخرين؟
لماذا يطلب من الآخرين ما لا يلزم نفسه به أوّلاً؟ "
هل هذه هي الحرية والمحبة والتسامح التي تصيح بها ؟ ومتى كان المسلمون معك ومع غيرك إلا كما أدبهم ربهم ونبيهم وصحابته وأنت تعرف آيات القرآن والحديث النبوي وسيرة الصحابة وتستشهد بها في احترام المسلمين لغيرهم من أصحاب الديانات والأفكار؟
ثانيا : لم تكن منصفا في نسبة الفعل المثال فتاجر السياحة الذي كانت التجربة في ساحته ليس مسلما فضلا عن أن يكون متشددا , قالت القصيفي في مقالها إنه حدث : " في قلب فندق حديث في وسط بيروت، يملكه ماروني وباركه احد المطارنة بالمياه المقدسة حين ارتفع بنيانه". فما الذي استفزك في هذا الحدث؟
ثالثا : لم نعهد فيك خفة في معالجة القضايا الفكرية والدينية فكيف يستسهل قلمك كتابة في شأن ديني إسلامي بمثل هذه الطريقة التي تشبه العوام من الناس غير اولي العلم حين تقول عن المسلم المتدين :
"ولماذا يريد إكراه الناس على سلوك لا يرتضونه لأنفسهم، والقرآن نفسه يقرّر أن "لا إكراه في الدين"؟
ولماذا يريد من الناس أن ينافقوا خوفًا منه أو مجاملةً له، و"الله لا يحبّ المنافقين"؟
ثمّ ما هو شأن هذا المتديّن في انقطاع بعض المنتمين بالولادة إلى الدين ذاته عن ممارسة الشعائر والفرائض؟"
فما شأنك أنت والإفتاء في مثل هذه الأمور على أنها غير مطروحة عليك لا للفتوى ولا للعمل؟
وصلت إلى هنا في الكتابة ثم شككت مرة أخرى في أن تكون الأب جورج مسوح الذي صدرت منه هذه الكتابة , لكنني عدت وتاكدت من وجودك في المقالة إذ قرأت قولك :
" ويبقى السؤال: على مَن يتوجّب الاحترام؟ نقول وبلا تردّد إنّ على المتديّنين أن يبادروا بالاحترام، هم أولى بأن يظهروا للعالم أنّهم أحرار في خياراتهم، وتاليًا يحترمون حرّيّة الآخرين."
ختاما
أنا مع حُلُمك في الحرية فحِلمُكَ علينا ونحن نحترم حقك في خياراتك ومتمسكون بعقلك وعلمك الذي سيجعلك تقرا بإنصاف هذه الرسالة التي اضطررت لإعلانها لإعلانك.

وهنا المقالات المشار إليها:


جريدة النهار الأحد 29 آب 2010 - السنة 78 - العدد 24147


التديّن والحرية الشخصيّة
عبّرت هيام القصيفي في مقالتها "المطاوعة في وسط بيروت" (النهار، 25 آب 2010) عن واقع مؤلم بدأ يدخل كالنعاس في بلدنا. فقد روت باستهجان حادثة جرت معها في أحد الفنادق الحديثة في وسط بيروت، حيث اعتذر منها النادل عن عدم تقديم النبيذ على المائدة في شهر رمضان. وختمت مقالتها بالتساؤل الذي يحمل في الوقت عينه الجواب: "هل وصلت الشرطة الدينيّة إلى لبنان وإلى قلب الوسط التجاريّ واجهة لبنان الحضاريّ وبدأت ترتدي بذلة أجنبيّة وربطة عنق؟"
تأتي هذه الحادثة بعد حادثة اعتراض عدد من رجال الدين المسيحيّين على عرض مسلسل "السيّد المسيح"، وتراجع المحطّتين اللتين كانتا تنويان عرض المسلسل عن عرضه تلافيًا لفتنة طائفيّة. ولسنا نربط ما بين الحادثتين، إلاّ لنؤكّد ان ظاهرة واحدة تعمّ الديانات والمذاهب والطوائف كافّة، وهي تنامي التشدّد الدينيّ وعدم احترام الآخر في إيمانه ومعتقداته وتقاليده، يضاف إليها عدم احترام الحرّيّة الشخصيّة لكلّ فرد من أفراد المجتمع في أن يختار لنفسه النمط الحياتيّ الذي يناسب عقله وقلبه واقتناعاته الذاتيّة.
ثمّة مقولة شائعة تقول "إنّ حرّيّتي تقف حيثما تبدأ حرّيّة سواي". لكنّ السائد في حالنا هو عكس ذلك تمامًا، فلسان حال المتديّنين المتشدّدين يقول إنّ حرّيّتي لا تقوم إلاّ على إبطال حرّيّة سواي. فلمَ يريد المتديّن من الناس أن يشاركوه في شعائره أو في معتقداته اذا كانوا لا يرغبون بذلك؟ ولماذا يريد إكراه الناس على سلوك لا يرتضونه لأنفسهم، والقرآن نفسه يقرّر أن "لا إكراه في الدين"؟ ولماذا يريد من الناس أن ينافقوا خوفًا منه أو مجاملةً له، و"الله لا يحبّ المنافقين"؟
المشكلة تتفاقم حين يكون المجتمع متنوّعًا دينيًّا وثقافيًّا. فإن أخذنا مثال الخمر الذي هو حلال لدى المسيحيّين إلاّ إذا بولغ بمعاقرته إلى حدّ الثمالة، وهو حرام لدى المسلمين، فبماذا يؤذي دينيًّا الخمر المقدّم على إحدى الموائد الجالسين إلى مائدة أخرى؟ ألا يتوجّب على المتديّن احترام المخالف لمعتقداته، طالما هو لا يؤذيه ولا يعطّل فرائضه، بدلاً من أن يفرض عليه السلوك بما يوافق رأيه؟ لماذا يطلب من الآخر احترامه فيما هو نفسه لا يحترم قناعات الآخرين؟ لماذا يطلب من الآخرين ما لا يلزم نفسه به أوّلاً؟ ثمّ ما هو شأن هذا المتديّن في انقطاع بعض المنتمين بالولادة إلى الدين ذاته عن ممارسة الشعائر والفرائض؟ ويبقى السؤال: على مَن يتوجّب الاحترام؟ نقول وبلا تردّد إنّ على المتديّنين أن يبادروا بالاحترام، هم أولى بأن يظهروا للعالم أنّهم أحرار في خياراتهم، وتاليًا يحترمون حرّيّة الآخرين.
كيف يريدنا المتشدّدون دينيًّا أن نصدّقهم حين يطالبون بحرّيّة ارتداء النقاب أو الحجاب، أو بناء المآذن أو المساجد في هذا البلد أو ذاك، علمًا أنّها بلاد لا تحكمها شريعة مسيحيّة بل علمانيّة وضعيّة، فيما هم يمنعون عن الناس أن يأكلوا أو يشربوا جهارًا في ساعات الصوم، أو أن يبنوا الكنائس أو حتّى أن يرمّموها في بعض البلدان؟ الحرّيّة في هذا المقام استنسابيّة نفعيّة، ومَن يطالب بالحرّيّة غير ممارس لها بدءًا يكون هو نفسه عادم الحرّيّة وعبدًا لذاته وأصنامه لا عبدًا لله.
حاربت الأنظمة الشموليّة الحاكمة إبّان القرن المنصرم الحرّيّات على أنواعها، وانتصرت الحرّيّات في خاتمة المطاف، ولا سيّما الحرّيّات الدينيّة. غير أنّ الوضع اليوم بات على النقيض ممّا كانه سابقًا، حيث أمسى التحرّر من وطأة التشدّد الدينيّ هو الغاية والهدف لدى العديد من الناس. أمّا في بلادنا فيحلّ التشدّد الدينيّ مكان الأنظمة الشموليّة بحيث صارت الحاجة ماسّة ليس إلى تأمين الحرّيّات الدينيّة، بل إلى تأمين حرّيّة غير المتديّنين أو المخالفين في الدين.
ليس العيش المشترك تنازلاً عن الحرّيّة الشخصيّة في هذا الميدان أو ذاك، وليس العيش المشترك نفاقًا مبطّنًا وخطابًا خشبيًّا يخفي نزعة إلى الاستعلاء والاستكبار، وليس العيش المشترك تسامحًا يمنّ به القويّ على الضعيف أو الغالبيّة على الأقلّيّة. العيش المشترك إمّا أن يكون قبولاً أصيلاً بالشريك كما هو يرغب أن يكون منسجمًا مع ذاته، وإلاّ هو نفاق عميم.
الأب جورج مسّوح

.........................................................................................................................................................................................
جميع الحقوق محفوظة - © جريدة النهار 2010






جريدة النهار الأربعاء 25 آب 2010 - السنة 78 - العدد 24143


"المطاوعة" في وسط بيروت !

حينا نسمع ونقرأ عن الشرطة الدينية (المطاوعة) من اندونيسيا الى السعودية وايران وباكستان وافغانستان... كنا نظن اننا، نحن في لبنان لا نزال في مأمن من هؤلاء. لكن ان نتواجه مع شرطة دينية في قلب فندق حديث في وسط بيروت، يملكه ماروني وباركه احد المطارنة بالمياه المقدسة حين ارتفع بنيانه، فهذا امر لم نظن مطلقا انه قد يحصل.
كنا نستعد لتناول العشاء مساء الاول من امس في مطعم الفندق الحديث، وبعدما طلبنا الطعام والشراب، واصرّ النادل على نصحنا بنوعية قنينة النبيذ، لم يلبث ان عاد معتذرا بخجل ليسحب كؤوس النبيذ ويقول متأسفا "اخجل مما سأقوله، ولكن لا نستطيع تقديم النبيذ لاننا في رمضان".
كانت الساعة الثامنة، والموجودون من جنسيات مختلفة في المطعم يتناولون الافطار او العشاء . لم نستوعب للوهلة الاولى ما يقوله النادل، حاولنا الاستفهام، فأتى المسؤول عن المطعم ليقول مجددا "احتراما لمشاعر المسلمين الموجودين، لا نستطيع تقديم النبيذ". اجبناه بـ"أننا مسيحيون، وعليك احترامنا واحترام الآخرين معا، لاننا لا نخدش الحياء ولا الذوق العام، ونحن في بلد اسمه لبنان ولسنا في بلد اسلامي".
ابلغنا المسؤول ان اوامر الادارة واضحة، فخلال شهر رمضان لا نقدم الخمر، رغم ان لائحة الطعام والشراب لم تتعدل. قلنا له "اذاً علّقوا لافتة في الخارج تعلن منع الخمر في فندقكم". وحين تشبثنا بموقفنا الرافض، حاول المسؤول ايجاد مخرج اعتبره مشرفا لادارة الفندق، اذ اقترح، بكل بساطة ان نستبدل كؤوس النبيذ الشفافة باخرى مموهة زرقاء حتى لا يظهر النبيذ بوقاحته الى العلن امام رواد المطعم، وعرض علينا "رشوة" بتقديم زجاجة النبيذ مجانا!
كانت صدمة الاقتراح المموه اقوى من الرفض الاولي. خبث تجاري متستّر بالمحافظة على العيش المشترك واحترام مشاعر المسلمين. رفضنا بكل بساطة "الرشوة المحرّمة"، فإما النبيذ في كؤوسه او مغادرة المطعم.
والمفاجأة ان جواب المسؤول على نيتنا المغادرة كان عجيبا، اذ قال لنا "لم لا تتفهمون الامر، الرواد الاجانب كلهم يتفهمون؟".
معه حق. لا نستطيع ان نتفهم، لاننا، بكل بساطة، ولدنا وعشنا في بلد ارسى فيه المسيحيون قواعد العيش المشترك المبنية على احترام الآخرين، ولاننا ثانيا لسنا "أهل ذمة"، لا نريد ان تنتقص حقوقنا بحجة تجارية واهية، مموهة بستار ديني وورقة توت لا تخفي المستور.
فهل وصلت الشرطة الدينية الى لبنان والى قلب الوسط التجاري واجهة لبنان الحضاري وبدأت ترتدي بذلة اجنبية وربطة عنق؟ وهل الآتي اعظم؟

هيام القصيفي
mailto:hiyam.kossayfi@annahar.com.lb


.........................................................................................................................................................................................
جميع الحقوق محفوظة - © جريدة النهار 2010
جريدة الأخبار عدد الخميس ١٩ آب ٢٠١٠ | http://www.al-akhbar.com/ar/node/202798
من احتكار «المسيح» إلى «إمارة» صيدا - جان عزيز
يوماً بعد يوم، عند كل محطة ومفصل، سيتبيّن مدى الخطأ والضرر اللذين رتّبهما تدخل بعض السلطة الكنسية في مجال من مجالات الحريات العامة، كما حصل مع المسلسل التلفزيوني، «المسيح».
أصلاً، يقع التدخل في خانة غير المقبول على ثلاثة مستويات على الأقل: على الصعيد الحقوقي الإنساني أولاً، وعلى الصعيد الميثاقي ثانياً، وحتى على الصعيد الإيماني المسيحي ثالثاً... غير أن تبعات التدخل تظل الأشد وطأة وخطورة.
على الصعيد الأول، أخطأ بعض السلطة الكنسية في تدخله، لأنه بذلك سجل على نفسه مخالفة صريحة لجوهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما لمنطوقه الواضح. ومهما كانت آراء الظلاميين من كل جهة، على تناقضهم وتحالفهم الموضوعي، يظل هذا الإعلان، بفلسفته وديباجته وغائيته، الإطار العام للتفكير الحقوقي و«الحرياتي»، للعقل البشري (Eprsteme) المعاصر. وفي هذا الإعلان كفالة عالمية حاسمة للحق في «حرية التفكير والضمير والدين»، كما «حرية الرأي والتعبير». هل مثّل المسلسل التلفزيوني المذكور خرقاً لهاتين الحريتين؟ ليست المرجعية لتحديد ذلك من اختصاص أي مرجعية دينية، ولا يملكها إلّا مبدأ «تحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديموقراطي»... وهو ما قد يجد أي مشترع أو قانوني استحالة في أن يرى أن مسلسلاً تلفزيونياً قد هدّد تلك المقتضيات.
ثم أخطأت السلطة الكنسية بخطوتها هذه، على المستوى الميثاقي اللبناني. ذلك أن الدولة اللبنانية تلتزم في دستورها، وفي نص مقدمته «العضوية» ـــــ بالمفهوم القانوني الدستوري ـــــ الإعلان العالمي نفسه، وبالتالي فإن مرجعيته النظامية أعلى من المرجعيات الدينية، ومن المواد الدستورية الأخرى. لكنها أخطأت أكثر في الجانب العملي لحياة اللبنانيين الميثاقية، ذلك أنه إذا كرّست هذه السابقة في جعل الجهات الدينية مرجعية ضابطة وإكراهية لأطر التفكير والتعبير، فماذا يبقى لحيّز الفضاء الدنيوي والخاص والزمني؟ هل نتصور غداً مثلاً، قراراً كنسياً يلغي أجزاءً من الأدب الإنساني الحي؟ هل علينا أن نتوقع مثلاً حظر «تجربة» كازانتزاكيس، أو حتى «دايم» مارون عبود و«كافر» جبران؟ وهل علينا في المقابل أن نسلّم بصدور فتاوى تشطب من التراث الأدبي العالمي شطحات كاملة من «ملهاة» دانتي إلى «كواكب» محمود درويش؟ وهل تدري السلطة الكنسية أنها بذلك أقرّت للأجهزة الأمنية عمليات دهمها الدورية التي تنفّذ بصمت منذ عقد ونيّف، لمكتبة جامعة الكسليك، مطاردةً لمؤلفات أبو موسى الحريري؟
وأخطأت السلطة الكنسية ثالثاً، حتى على المستوى الإيماني المسيحي. إذ مَن قال لها إن ذاك الثائر الأكبر في التاريخ بات في وضع من الضعف أو الهشاشة ليدافع عنه بالحرم حيناً وبالحظر حيناً؟ مَن سمح لنفسه بأن يوحي أن ذاك الذي انتصر على أعتى إمبراطورية محتلة في العالم، وتغلّب على أقسى استابليشمانت فاسد ومفسد في التاريخ، و«قهر الموت بالموت»، بات اليوم في حاجة إلى بعض المظاهر الفريسية، للذود عنه وعن ألوهيته وتاريخيته؟ هو مَن أصرّ لحظة الموت على «رد السيف»، هل يقبل بسيوف الظلاميات القروسطية، في «زمن الحياة والقيامة»؟
قبل يومين جاء الرد النقيض، والحليف الموضوعي لسلطات التحريم من صيدا، أو من «إمارة صيدا». هناك حيث للوطن «الفريد» جنوب وعاصمة، رفعت لوحات طرقية كبيرة تصوّر شخصاً يشعل سيجارة وفوقه شعار كبير على طريقة راية صدام: «الله أكبر»، ومعه أمر النهي عن المنكر: «إذا كنتَ معذوراً، فاستتر». وإلى التدخين لائحة بالمحرّمات الأخرى: الأكل والشرب و...
مناسبة الإعلان المعلن، حلول شهر رمضان، لكن توقيعه المجهول وصاحبه المغفل، وإمراره من خارج الأصول الإدارية والقانونية لنشر الإعلانات على لوحات الطرق... كل هذه تشي بأبعاد أخرى للخطوة. ما الذي يضمن عدم تحوّلها تدريجاً، وسنة بعد سنة، إلى ممارسة زجرية، كراهية، تحت عناوين التكفير والتحريم، ونقل فعل الاعتذار إلى الإجبار؟ ما الذي يكفل عدم تطور مشروع «الإمارة» تلك إلى نظام المطاوعة، المطبّق أصلاً في الواقع، في أحياء كثيرة يعرفها العارفون ويسكتون عنها؟
مقلقة جداً إرهاصات الأصوليات الدينية في بلدنا. وأخطر ما فيها دفع العقل البشري إلى معادلة مغلوطة ومرفوضة: إمّا أن نقتل الله، وإمّا أن نقتل الإنسان...



[1] واسمح لي باستعمال تعبير الهجوم لأنني قرأت في نصك ما لا يشبهك عندما عالجت قضية شرب الخمور من قبل بعض المسلمين, وانت لا تضع خمورا عندما تستضيف المسلمين على مائدتك.ولا كنت أراك من مسيحيي الستة وستة...

هناك تعليق واحد:

محمّد كنبيّي محمّد عليه و آله صلاة عالية على الصلوات يقول...

Simply...ISLAM WILL DOMINATE! Intaha

ألبوم الصور