«منتدى المنهاج» الاعلام واثره في الهوية الثقافية ونظام القيم المشاركون: العلامة الشيخ علي خازم، الاستاذ محمود حيدر، الدكتور طلال عتريسي عقد منتدى المنهاج ندوته الخامسة عشرة، في مقره، في مركز الغدير للدراسات الاسلامية، عصر يوم الاربعاء الرابععشر من جمادى الاولى سنة 1420ه، الموافق 25/8/1999م. وبحث المنتدون في موضوع الندوة المقرر، وهو«الاعلام واثره في الهوية الثقافية ونظام القيم». قدم للندوة وادارها الاستاذ محمد حسين، رئيس تحرير مجلة البلاد، وشارك فيها سماحة العلامة الشيخ علي خازم،والاستاذ محمود حيدر، الباحث والصحفي، والدكتور طلال عتريسي الاستاذ في الجامعة اللبنانية. وقد تم اختيار «الاعلام...» موضوعا لهذه الندوة ادراكا من هيئة تحرير المجلة لاهمية هذا الموضوع. فقد شهدت نهاياتالقرن العشرين تحولات كبرى في انظمة القيم. وكانت «ثورة الاتصالات» في مقدمة هذه التحولات. وهناك من راى انهاالسبب الرئيسي والحاسم في احداث التبدلات الهائلة في ميزان القوى الدولي وانهيار معادلة الحرب الباردةوتوازناتها. وساد اعتقاد مفاده ان الدولة الاقوى هي التي تقود ثورة الاعلام. وهي التي تمتلك ادواتها المرئية والمسموعة والمقروءة. وليس غريبا، في هذا المجال، ان يمضي الفكر الاستراتيجي الاميركي والغربي عموما الى تعميم مثل هذا الاعتقاد. فهو يرمي من ورا ذلك الى تحويل السيطرة الاعلامية على العالم الى قناعات تفضي بشعوب العالم الثالث الى الاستسلام والقنوط والامتثال. كانما يراد ل «امبراطورية الصوت والصورة» ان تعيد انتاج «الاستعمار من بعد»، حيث لا يؤدي استلاب الشعوب، او تخليع سيادات الدول، وتفكيك الهوية الوطنية والحضارية، الى ثورات لنزع الوجود الاستعماري، كما حصل خلال القرون المنصرمة. ماذا فعلت ثورة الاعلام بانظمة القيم؟ وما اثرها في التحولات التي عصفت بالمجتمعات؟ وكيف يستعد العالم لدخول القرن المقبل، وهو ينوء تحت ظلال «الايديولوجيا الفضائية؟» هذه الندوة ستقارب الاعلام بوصفه الالية الاشد قسوة في سيرورة العولمة الجديدة. وهي تتناول ثلاثة محاور على الشكل التالي: 1- الاعلام الديني وآليات التبليغ في مواجهة العولمة. 2- اثر الاعلام الفضائي على الهوية الوطنية وسيادة الدولة. 3- ثورة الاتصالات وآثارها على انظمة القيم واعادة انتاج الاخلاق العامة. رحب الاستاذ محمد حسين، بداية، بالمشاركين والحضور، وقدم للندوة فقال: للوهلة الاولى، قد يفهم اننا بصدد الحديث عن توصيفات لادوار الاعلام ومهماته وتاثيره على الجوانب المختلفة في حياة الانسان والمجتمعات. ولكن المقصود غير ذلك، المقصود بالتحديد هو اعلام العولمة. ذلك السلاح الخطير الذي يهاجمنا بكل عنف وشراسة من دون ان نستشعر بالالم. ونحن مبهورون بجماله وجاذبيته وسحره. انه الاداة الجديدة للغزو الجديد القادم الينا تحت شعار العولمة. ولعل الثورة الهائلة التي حدثت، في العقد الاخير من هذا القرن، في الاتصالات والمعلومات، كانت مقدمة ضرورية لهذا الغزو. لقد احدثت هذه الثورة تحولات كبيرة في جميع النظم والمعادلات والتوازنات التي كانت سائدة في العالم. فتغيرت وسائل الصراع وطرقه، وتبدلت موازين القوى الدولية، وظهرت مراكز نفوذ جديدة تتحكم بالعالم بخيوط سحرية غيرمرئية تستطيع ان تدمر بلدا بلحظات من دون قرقعة سلاح او قرع طبول. لكنك تعرف ذلك، فورا، عبر اثير اذاعة، اوعلى شاشة تلفاز، او من خلال عنوان جريدة. هذه الثورة في المعلومات والاتصالات توظف اليوم في خدمة العولمة التي يتفق معظم المراقبين والمفكرين على انها عملية امركة للعالم. انها ليست عملية تفاعل، بل عملية ذات قطب واحد تقوم على اساس اخضاع المجتمعات الاخرى لهيمنة المركزالاميركي، باستخدام وسيلة السلاح الاقتصادي عبر اسواق المال ومكاتب المراقبة الاقتصادية وتقييم الاقتصادات، اوباستخدام هذه الوسائل مع السلاح العسكري التقليدي كما حدث في العراق، ومؤخرا في يوغوسلافيا. ولكن، قبل ذلك، واثناه، وبعده، تحتاج العملية الى اعلام قوي ومركز يسيطر على الراي العام الدولي وعلى الراي العام في المجتمعات المستهدفة ليتم الاسقاط من خلال تبعية الراي العام، وليس من خلال الاستيلا على الاراضي. ان اميركا تقوم بعملية غزو ثقافي لنشر الثقافة الاميركية، او ثقافة العولمة عبر وسائل الاعلام الجبارة التي تمتلكها هي وحلفاؤها الغربيون. ويتخذ الغزو، نتيجة التاثير الاعلامي، انماطا اخرى غير مباشرة، كان يحدث عبر الاستدعا الذي تقوم به البيروقراطية في مجتمع ما، والمؤسسات الثقافية وطبقات اجتماعية تاثرت بالثقافة الاميركية التي تبث عبروسائل الاعلام المدعومة من اسواق المال. فيحصل عندها تدهور لمكانة المثقف الوطني المستقل وانخفاض لمستوى معيشته، ويتراجع مستوى الثقافة في الاولويات الداخلية ويتم التسليم لدى النخبة بهيمنة افكار اقتصاد السوق. ان التحديات الجديدة التي فرضتها المستجدات تتمثل في احتكار اميركا وحلفائها لتكنولوجيا الاتصالات، وسيطرة الشركات متعددة الجنسية على السوق العالمية، في مجال تسويق السلع الثقافية والاعلامية والوكالات الدولية للاعلانات. وعبر ذلك تتم عملية تدمير القيم الاخلاقية والاجتماعية، وتذويب الهويات الثقافية الوطنية والقومية،والترويج لثقافات جديدة غير انسانية تبرمج الناس ليكونوا اتباعا للنمط العالمي الجديد. هل سيتحول العالم الى قرية صغيرة تحكمها «السلطانة اميركا»، او ستتمكن الدول من الاحتفاظ بهوياتها وقومياتهاوثقافاتها المتعددة والمتنوعة؟ هل سيشهد القرن القادم انتها مقولة الامم المتحدة وتحالف الامم وحلول مقولة امة البشر تحت ظل حاكم واحد؟ وكيف سيؤثر اعلام العولمة في احداث هذه التغييرات الكبيرة؟ هذه الندوة ستحاول القا الضوء على دور الاعلام في احداث هذه التغييرات، ونبدا بالمحور الاول، وهو: الاعلام الديني وآليات التبليغ في مواجهة العولمة، مع فضيلة الشيخ علي خازم. الشيخ علي خازم: يفترض العنوان وجود مواجهة بين العولمة وبين الدين، ويطرح مهمة على الاعلام الديني في التعامل مع واقعه.ان العولمة ليست دينا جديدا، ولا ايديولوجيا جديدة، وان كنا نتوقع ان تصحبها وتتبعها نظريات اقتصادية وسياسية وافكا ر. واذا راينا ان الدين هو الاساس في ثقافة مجتمعاتنا الاسلامية، فان هذا يجعل للاعلام الديني ، بوصفنا افرادا، مهمة اساسية في حفظ الهوية الثقافية ونظام القيم الاجتماعية الاسلامي، لكن هل يمكن لنا ان نتحدث عن دور للاعلام الديني وللتبليغ في مواجهة ظاهرة كونية كظاهرة العولمة، اظن ان المجازفة ستكون كبيرة ان حاول احدنا منفردا ، او ان حاولنا منفردين القيام بهذه المهمة . ذلك ان «منظمة المؤتمر الاسلامي» التي تضم دول العالم الاسلامي جميعها، في مااعرف، لم تنشى مؤسسة لرعاية شان الاعلام الديني او الاسلامي الا في صورة مجتزاة، كمنظمة اذاعات الدول الاسلامية ووكالة الانبا الاسلامية الدولية ولجنة الدعوة والتربية والمركز العالمي للتربية والتعليم الاسلامي، واظن ان احدا منكم لم يلمس دور هذه الهيئات فعليا الا في يوم عرفة، حيث يجتمع المذيعون لنقل وقائع وقوف المسلمين في هذا المشعر المقدس. ان الاعلام الديني والتبليغ الاسلامي موجودان فعلا رسميا وشعبيا، وان طبيعة الاسلام تعطي الحرية للمسلمين بالتبليغ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي من مصاديق الاعلام، لكننا نتحدث هنا عن شان يفوق قدرات الافراد في كثير من المجالات. ليس هذا اعتذارا عن الدخول في الموضوع، لكنه مقدمة للانحراف عنه الى ما يقاربه، ويسعنا الحديث فيه بما يؤدي الى نتائج قد تكون عملية وملموسة. الهوية الثقافية ومخاطر العولمة : الهوية الثقافية ونظام القيم ، في اي مجتمع من المجتمعات ، يخضعان عادة لثبات العقيدة التي يمثلانها ، وان كانت الثقافة نفسها تقبل التغيير عبر التجديد والتكامل لادا ما يساعد على سد الحاجات المستجدة . والميزان ، في قبول هذا التغيير او رفض ، كونه متوافقا مع نظام القيم المعتمد، او مناقضا له، وعلى مستوى آخر كون الحاجات المستجدة ممايصح اعتبارها كذلك فعلا، او انها مدفوعة قسرا لتكون بمثابة الحاجة. ومن نافل القول ان الغزو الثقافي استهدف ، ولا يزال ، ضرب نظام القيم عبر خلق «حاجات» لا يمكن اشباعها الا بالتخلي عنه ، لانها فعلا وليدة مجتمع يختلف نظام القيم فيه ، وعملية خلق «الحاجات» هذه تتم عبر التاثير الاعلامي بشكل اساسي وبطريقة غير مباشرة في اغلب الاحيان. واذا كان مصطلح «الغزو الثقافي» قد اثار، في ما مضى، اشكالات ونقاشات، وشهد رفضا ممن يدعون التنوير والتجدد، فان «العولمة» قد اثبتت حصوله ، ويتم اليوم العمل على القفز عن الاعتراف بذلك واعادة العراك من جديد حول قبولها بوصفها قدرا ، والجريان معها ، وحذف كل مخاطرها التي يستشعرها المفكرون في فرنسا والمانيا وغيرها من دول العالم ، فيما انخرط فيها عدد من المسؤولين والمفكرين العرب والمسلمين مبهورين من دون ادنى تحفظ ، ويسعى آخرون في ايجاد تيارات مقاومة لها. العولمة وابرز مخاطرها: يقول الدكتور اسماعيل صبري عبداللّه: «ان اقرب التعريفات لمصطلح «العولمة» هو التداخل الواضح للامور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والسلوكية، من دون حدود تذكر، ومن دون انتما لدولة او وطن، ومن دون الحاجة الى حكومات، فالظاهرة اذن اجتماعية، وبالتالي فان هناك قوة اجتماعية موضوعية تحركها آليات اقتصادية، وازعم ان هذه الاليات هي الشركات متعددة الجنسية التي تنتزع بوضعيتها مفهوم الدولة القومية». ولعل اهم مسارب العولمة ومداخلها الاعلام وعالم الاتصالات، وهذه المسارب نفسها ادوات الغزو الثقافي الحديثة بحداثة وسائلها ووسائطها، والتي سيكون اهمها التلفاز الكوني الذي ستطلقه امريكا سنة 2003م . هل من جديد يستدعي هذا الهلع الذي يسود العالم اليوم ؟ نعم، انه الاندفاع الاعمى الذي سيطيح حتى بما اعتبرعناوين ختام القرن العشرين : المجتمع المدني المشاركة المساواة حرية الانسان وحقوقه حفظ البيئة ، اذ لن يتبقى من هذه الامور الا ما ينفع 20% من سكان العالم الذين يستطيعون الصمود وادارة اموالهم عبر اجهزة الكمبيوتر في القرن القادم . والمشكلة الكبيرة انه يراد لنا، عبر الاعلام والثقافة، ان نقبل هذا الواقع، لنكون الطرف المكمل والمساعد على انجاح هذه الظاهرة، وتاليا لنكون في خدمتها نافين لكل هوية ثقافية وقيم دينية او اجتماعية ، وخاضعين لذهنية السوق وما تفترضه، متجردين من ادنى احساس بهوية وطنية او كرامة انسانية. ولسنا هنا امام تداخل حضاري يعطيك وقتا لرفض سلوك معين وقبوله وفق المعطيات الثقافية ، بل نحن امام حالة يفرض فيها عليك السلوك بسيف الاقتصاد والبنك الدولي . قد لا يرى بعضهم قيمة لشراب البيبسي او اكل الهامبرغر، لكن هذا ، في روسيا والصين واليابان، ياتي ليدمر منظومة من السلوك الاجتماعي التي تقع ، في النهاية ، تحت عنوان قيمة من القيم الاجتماعية كالتكامل الاسري. ان الدعاية لتحديد النسل لا تنظر الى تامين مستقبل افضل ، بل تنظر الى تخفيف مساعدات العالم القوي الغني للعالم الفقير، واختلاف الهدف يؤثر في اختلاف الاداة والاسلوب . وكان فرض دعاية تحديد النسل من اهم شروط البنك الدولي على ايران، وعلى السودان . العلاقة بين الاعلام والثقافة: باختصار شديد: «ان وسائل الاعلام هي ادوات ثقافية تساعد على دعم المواقف او التاثير فيها، وعلى توحيد مناهج السلوك وتحقيق التكامل الاجتماعي»، وحيث ان وسائل الاعلام، او بالاحرى ادواته، محايدة في نفسها، لكن مضمونها، وما تطلقه، هو الاساس في الحكم عليها، فاننا امام دور خطير وهام جدا تستدعيه مواجهة التدفق الاعلامي ووسائل الاتصال والاعلام المواكبة للعولمة التي تؤسس لذهنية تقبل الاستعمار الجديد، وتتحول عن هويتها وانظمتها وقيمها. ان العولمة الثقافية قائمة بالفعل عبر الفضا المفتوح، وفي ظل ثورة الاتصالات، وهي لا تكتفي باجهزتها المباشرة، بل ان عالمنا الاسلامي، خصوصا، يعطيها عبر شركات القنوات الفضائية الهائلة فرصة بث برامجها ثانية وايصالها الى افراده المقيمين والى الاقليات التي يتوجه اليها في الغرب نفسه وغيره. الاعلام اداة ثقافية بالكامل، فهو يحتاج الى هدف والى معلومة والى اسلوب في عرضها، وهو شان نحتاجه في فهمنالدور الاعلام الاسلامي والاعلام الديني. العلاقة بين الاعلام والدعوة او التبليغ هذه المفردات تتداخل في ما بينها، وبالتالي تتداخل عملية التقويم لادا كل منها، ونقوم مرات بتسجيل حالات من الفشل، او الضعف، للاعلام الديني او الاسلامي، فيما نحن نناقش مسالة من المسائل الدعوية وليس من المسائل الاعلامية. ولذلك من الضروري ان نفصل في ما بينها. اذا كان الاعلام يعني، اصطلاحا، ايصال معلومة معينة الى المتلقي بهدف معين وباسلوب يخدم ذلك الهدف، ويتوقع منه ان يؤثر في المتلقي، ويغير من ردود فعله، فان الدعوة او تبليغ الرسالة الاسلامية تلتقي معه، لكنها تختلف في المتلقي وفي ادوات الخطاب، فان لغة الدعوة خاصة بمخاطبة الافراد لتوعيتهم بالاسلام بينما لغة الاعلام تخاطب الامة دفعا لنموها وتقدمها، وعلى هذا يصح ان يقال: ان هناك نظرتين لفهم الاعلام الاسلامي: الاولى: «انه اعلام بالقرآن والسنة واعمال السلف الصالح واقوالهم بهدف انما الوعي الديني وتعزيز روح الانتما الى امة الاسلام لدى المسلمين». والثانية: «انه اعلام على ضوء الكتاب والسنة واعمال السلف الصالح بهدف انما الوجود الاسلامي العام انما مستقبليابما يحقق اهداف امتنا وتطلعاتها النهضوية والحضارية». والفارق بينهما ان الاول يكون مطابقا لمفهوم الدعوة الذي يتصف بالفردية في العرض والتلقي والمباشرة في الطرح والادا، بينما يكون الثاني موجها للجماعة ويتحرر من المباشرة وان صب في دائرة الالتزام، وهذا ما يصطلح عليه بالتفرقة بين الاعلام الديني الاسلامي والاعلام الاسلامي، ومن الناس من لا يفرق بين الدعوة والاعلام اساسا، والواقع ان غرض التفريق هنا هو تحديد المهام وتوصيفها وعدم الخلط بينها، منعا لعدم التاثير الايجابي اصلا، او منعا للتاثيرالسلبي فيما لو تداخلت اساليب كل من الفهمين او النظريتين. ادوات الاعلام ووسائله ووسائطه اذا قبلنا التفريق بين الاعلام الاسلامي والاعلام الديني الاسلامي والدعوة، فانه ستكون لدينا مجالات متعددة للاستفادة منها، وقد يكون بعضها وعا لبعض، بمعنى ان تستوعب ادوات الاعلام الاسلامي الاعلام الديني الاسلامي،وهكذا فانه تكون لدينا قابلية الاستفادة من الاشيا والادوات والتقنيات على اختلافها على هدي الاسلام وضمن الضوابط الاسلامية، وكذلك الاستفادة من المواسم والامكنة، فاذا كان المسجد الذي تؤدى فيه صلاة الجمعة مكاناللعبادة المخصوصة، بوصفها دعوة واعلاما دينيا، فان في خطبة صلاة الجمعة العامة اعلاما اسلاميا. وهناك سبب آخر للاستفادة من المجالات المختلفة هو ان الاعلام نفسه لم يعد محصورا بالوسائط التقليدية. اساس التفريق بين الاعلام الاسلامي والاعلام الديني الاسلامي، او الدعوة، وثمرته نرى ان الاساس، في قسمة الاعلام الى اعلام اسلامي واعلام ديني اسلامي، هو في المضمون والادا، فحيث يكون المضمون دينيا والادا مباشرا، كما في تفسير القرآن او بيان الاحكام الشرعية، فهو اعلام ديني اسلامي، وعندما يكون المضمون يخدم الدين ويحفظ الالتزام والدين فهو اعلام اسلامي. وثمرة التفريق انه لا يجوز تحميل الاعلام الديني، بلغته المباشرة وتوجهه الفردي، اعبا الاعلام الاسلامي ووظائفه التي منها الترفيه والاخبار والثقافة العامة والتقنية واحوال الطقس... الخ. مهمات الاعلام الاسلامي والديني عامة في مواجهة العولمة اذا لم يمكننا الاعتماد على الاعلام الرسمي لانه سائر في طريق العولمة، تبقى المهمات على المسلمين، وهي نفسهامهمات الرسالة الاسلامية التي صدع بها رسول اللّه (ص)، لاننا امام ظاهرة العولمة، بوصفها مظهرا من مظاهر «عمل الشيطان وكيده المستمرين» وما يفرزه في المجالات المختلفة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وفكريا، وبالتالي فان عليناعب ء عرض الدعوة وعب ء الدفاع عن الاسلام والمسلمين، ولهذين اساليبهما وطرائقهما وضوابطهما التي تتكفل بهاابحاث خاصة. وبالتالي فنحن مدعوون لاستخدام جميع مفاهيم الاعلام وادواته والدعوة على ضوء المعطيات العلمية والشرعية الثابتة. ولكن لا تنحصر المواجهة في المجال الاعلامي فقط، لانه، كما قلنا، اداة ثقافية، وهو ناقل ووسيط، فعلى العلما في المجالات المختلفة ان يتصدوا ليتمكن الاعلام من نقل ابداعهم ونتاجهم، وايصاله. لكن لو نظرنا الى الاعلام، بخاصة، فاننا نرى ان على الحركات والافراد، رغم ضآلة مواردهم، ان يتعاونوا في ما بينهم،ومع الجمهورية الاسلامية الايرانية للعمل بصورة تبادلية تطوعية لاخبارهم وافكارهم، وبذلك يشكلون ممانعة وتاسيسا اعلاميا مهما مستقبليا. ا. محمد حسين: ويتحدث الاستاذ محمود حيدر في المحور الثاني، وهو «اثر الاعلام الفضائي على الهوية الوطنية وسيادة الدولة». ا. محمود حيدر: (1) يرى كثير من المفكرين، وفي غير دولة، ان العولمة هي من المنعة والقوة بحيث استطاعت ان تجتاح جانبا كبيراومهما جدا من المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية والسيادة القومية. وواقع الامر ان التلفاز الكوني، الذي تحدث عنه سماحة الشيخ علي خازم قبل قليل، سيضاعف من ماساة المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية، بحيث يستطيع هذا التلفازان يحل ضيفا على اي بيت، وفي اي مكان من هذا العالم. هنا، في اعتقادي، تبدا المواجهة الحقيقية والحضارية. ولاينبغي ان نستهون الامر، ولا ينبغي ان نخشاه الى حد الاعتقاد باستحالة مواجهته، كان العولمة حوت يريد ان يبتلع قيم هذا العالم جميعها. يبدو لي ان العولمة هي طور تاريخي متقدم من اطوار تطور البشرية، وينبغي التعامل مع هذا الطوربكثير من الواقعية ومن الممانعة اللتين ينبغي ان تسيرا على خطين متوازيين، بحيث تكتمل ادوات المواجهة على نحوفعال. لم تظهر العولمة، باحيازها المختلفة، الا على صهوة الاعلام الفضائي، ما يعني ان العولمة على مستوى الاعلام، ستكون معادلة للاعلام الفضائي. هذه الحقيقة بات الكلام عليها من قبيل المسلمات. لا يتعلق الامر بالصعود الضاري للطفرة التكنولوجية الاقتصادية، ولا بانهيار خارطة التكتلات الدولية التي عاشها نظام التوازن ابان الحرب الباردة فحسب، وانماايضا، واساسا، بالحرب التي خاضتها الولايات المتحدة الاميركية في الخليج، وختمت فيها الفصل الاخير من التوازن العالمي. لقد كان العامل الاعلامي في مقدمة الاسلحة الحاسمة التي نقلت العالم الى طور جديد تبدلت معه انظمة القيم على جميع المستويات، في الجانب المعرفي الفلسفي الذي سعت الولايات المتحدة الى توظيفه ليرسخ انتصارهاالعسكري والسياسي كان الاعلام عامله المؤسس. ولا ينسى الكثيرون، من الذين انخرطوا في مساجلة نظريات الامركة،الدور الذي لعبته مؤسسة «اولن» في التسويق الواسع لمقولة «نهاية التاريخ» التي اطلقها الكاتب الاميركي من اصل ياباني «فرانسيس كوكويان فوكوياما» ، ومن بعدها مقولة «صراع الحضارات» ل «صموئيل هنتغتون»، لقد ظهرت العولمة بوصفهامعادلا ثقافيا ايديولوجيا لثورة المعلومات، وفي الاساس منها ثورة الاعلام. ولم تكن فرضية المجتمع الاعلامي العالمي سوى المرتكز النظري لهذا المعادل الثقافي الايديولوجي، وهذان اثنان من ابرز دعاة الامركة، وهما: «جوزيف فتي»،عميد كلية كنيدي في هارفرد حاليا، و«وليم اونز»، النائب السابق لرئيس لجنة رئاسة الاركان في الجيش الاميركي،يفصحان عن ذلك بوضوح فيقولان: «القرن الحادي والعشرون، وليس القرن العشرون، الذي يمثل عصر التفوق الاميركي». يعني هذا ان المنطق الايديولوجي هو الذي يتكلم، وليس المنطق الواقعي. انما تستطيع الامركة، اذا امتلكت القوى، ان تحول الايديولوجية الى حال واقعية، ذلك ان المعلومات والنقد الجديد والاقتصاد العالمي في الولايات المتحدة في وضع افضل من اية دولة اخرى للاستفادة من امكانيات مواردها المادية وبرامجها. اضافة الى ذلك، يضيف المسؤولان الاميركيان ان البلد الاكثر قدرة على قيادة ثورة المعلومات هو الذي سيصبح البلد الاقوى. وفي المستقبل المنظور، فان ذلك البلد هو الولايات المتحدة التي تتمتع بحنكة وذكا افضل مقارنة بغيرها. هذا، وان قدرتها على جميع المعلومات ومعالجتها والتحكم فيها وتوزيعها سوف تزداد من دون شك اكثر فاكثر في القرن المقبل، ولا ينفك منظروالفرادة الاميركية عن ابتعاث مروحة من الافكار، القصد منها منح السيطرة مشروعية الاستمرار والتراكم لتاخذ صعيدهاالمعرفي والثقافي، ويتحدث معظم هؤلا بلغة اليقين، ودائما عبر آليات الاعلام، بهدف خلق اعتقادات في المجتمعات الدولية، وخصوصا الاوروبية، فضلا عن مجتمعات الاطراف، التي نحن منها، مؤداها التسليم بنمط الحياة الاميركية، بوصفه قدرا لا مناص منه، وها هو «دانييل برتون»، احد البارزين في قطاع الات صالات، يقول: «ان الولايات المت حدة، بوصفها رائدة في اقتصاد الشبكات، سوف ترسم تطور هذا الاقتصاد، ذلك انه ليس هناك اية دولة في العالم سواها، تملك المؤهلات اللازمة لتوجه التطورات». ويضيف برتون: «اننا، في النهاية، نتجه نحو عالم للشبكات يتكون من مجتمعات الكترونية تجاريا وثقافيا، ويعمل على تدعيم مكانة الولايات المتحدة الاميركية من بين الامم، لكنها في الوقت نفسه، وعلى النقيض من ذلك، امة تعمل على تفكيك نظام الامة الاخرى ر الدولة». يكشف هذا الكلام عن احدالوجوه الاكثر اهمية، فالخطاب الثقافي الاميركي يسعى الى تخليع منظومة القيم التي نشا عليها مبدا الدولة ر الامة. تريد الطليعة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة، ان تقيم عالما يشبهها في الغرب وفي العالم اجمع، اي دولة عالمية سماها احد الخبرا الاميركيين، وهو «جيمس كور»، بالمؤسسة الاميركية، التي ذهبت ابتدا من نصف القرن الاخير، الى جعل مصلحة الدولر الامم، مثل: بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا واليابان، تتفق مع تجاوز مفهوم الدولة ر الامة عن طريق العضوية في عدة منظمات دولية، كالامم المتحدة ومنظمة الدول الاميركية وحلف الاطلسي والغات وصندوق النقدالدولي والبنك الدولي وسواها. وخلاصة القول ان الدولة الاميركية، مثلها مثل تلك الدولة التي قامت في اوروباواليابان، نفذت مشروعات كبرى في الابعاد الثقافية والامنية والاقتصادية للحياة الاجتماعية، لكن على خلاف الدول الاخرى، فانها فعلت ذلك على نطاق قاري هائل الحجم حقا، بل انها، وهي تفعل ذلك، كانت تنشى ايضا عالم ما بعدالعالم الحديث. وبذلك مهدت الطريق لزوالها، بوصفها دولة رامة. كانت بداية التسعينيات ذروة ما وصلت اليه التجربة الاميركية لنزع القيم التي يقوم عليها مبدا الدولة ر الامة. ثم لتنتقل آبعدئذ الى زمن الهيمنة على العالم، وهو زمن يتصف اميركيا بتخطي الاتكا على جيوش تقليدية اميركية تقوم على التجنيد الاجباري الجماهيري وتوفير الدفاع القومي، وذلك باتجاه تشييد ما يسمى بمجتمع ما بعد العصر الحديث الذي يقوم اساسا على وجود الاسلحة النووية التي توفر الردع الموسع للاحلاف الدولية مثلما حدث مع حلف الاطلسي. وهناك حرب ماثلة امامنا وهي: حرب الخليج الثانية التي لم تستخدم فيها الجيوش الجرارة، وانما الاسلحة الذكية، وباقل عدد ممكن من الجنود. وهناك عدد كبير من الخبرا الاميركيين يخططون لاستراتيجية ان تتم الحروب بلابشر، اي تتم فقط بالليزر والازرار الالكترونية. (2) يجري ما يعرف، في الغرب اليوم، ب«مجتمع الاعلام العالمي» على خط مواز مع «العولمة»، حتى ليكاد يتثبت الاعتقادمن حقيقة التواطؤ المتبادل بين المفهومين الشائعين الان بزخم لافت. ولئن قيل في «العولمة»، من التعاريف، ما يجعلها ظاهرة الظواهر التي تترجم علاقات قوى السيطرة في نهاية الالف الثاني، فالذي يقال في الاعلام وثورته الجديدة يعادل وجه الظاهرة الاخر، ان لم يؤلف حقيقة وجودها وتكوينها. بين «العولمة» اذن، (العولمة التكنو اقتصادية على الخصوص) والاعلام، علاقة انتاج. ولقد صار اكيدا ما بلغته ثورة الاتصال من قدرة هائلة على غزو كل ما يتعلق بميادين النشاط البشري الحديث، وعلى الاخص القطاعات الرئيسية للاقتصاد العالمي. فعن طريق اربعة مجالات تكنولوجية تتداخل بقوة في ما بينها، وهي: الاعلام المنشور والهاتف والتلفزة والانترنت، اطلقت «العولمة» رهاناتها الاقتصادية. وتحسب «الليبرالية الجديدة» ان سيطرتها على المال العالمي، عبر 200 شركة متعددة الجنسية، جزء من سعيهاللاستيلا على المجتمع الاعلامي. ويدخل هذا الحسبان في المقاصد العليا لرهانات «العولمة»، حيث يتحول التوصيل الاعلامي، بوسائطه المتنوعة، الى تقنيات عالية الدقة لاعادة انتاج المعتقدات الليبرالية التقليدية، ولا سيما منها عقيدتاحرية السوق (دعهم يعملون) والتبادل الحر (دعهم يمرون). ان هاتين العقيدتين ستعودان مجددا لتؤلفا المكون الايديولوجي للتبادل الحر الذي نهضت عليه عولمة آخر القرن،وسيكون على «المجتمع الاعلامي العالمي» توظيف هذا المكون الايديولوجي للعولمة الجديدة في ادارة الحروب الاقتصادية الباردة، وسيتم ذلك اما من خلال تاهيل اكراهي لمجتمعات ودول ذات سيادة، او عبر تقنيات اقناع اغرائية آود ودة لا حصر لها. ان ما يحصل اليوم هو تبدل في عمليات الاستحواذ، تختلف في مدياتها عما جرت العادة عليه في الازمنة الاستعمارية التقليدية. فلقد طرا تطور جذري على آليات السيطرة السياسية والاقتصادية في خلال الربع الاخير من هذا القرن. وماعادت فلسفة القوة التي اخذت بها حركة الراسمالية الصاعدة لتحقيق مطامحها فوق القومية، هي نفسها بعد هذا التطور.ودخلت وسائل الاتصال وشبكات التحكم والتوجيه من بعد، بوصفها عاملا رئيسيا في استعمالات القوة. وبدا كما لوان عمليات الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، تتكثف ضمن مساحة كبرى، بعيدا من الاستفزازالمباشر، هي مساحة الاعلام. كانت نهاية الحرب الباردة الانعطاف الفعلي في هذا المنحى، وقد اظهر واضعو الاستراتيجيات العليا في الولايات المت حدة الاميركية رغباتهم الملحوظة في السيطرة على شبكات الاتصال والثروات الهائلة التي توفرها الصناعات «اللامادية»من علم ومعرفة وقدرة استثنائية على التحكم بالعقول واتجاهات الراي العام في العالم. ويذكر «جوزيف ناي»، وهومسؤول سابق في البنتاغون وعميد معهد كينيدي في جامعة هارفرد حاليا، في مقال كتبه بالاشتراك مع «وليم جونز»،ونشرته مجلة الشؤون الخارجية، في عدد نيسان من العام 1996م، كيف انه سيكون من السهل على اميركا ان تسيطرسياسيا على العالم في المستقبل القريب، وذلك بفضل قدرتها التي لا تضاهى في ادماج النظم الاعلامية المعقدة. ويبين صاحبا وجهة النظر الاميركية هذه المدى الذي تحولت فيه مفاهيم السيادة القومية تحت وطاة الاختراق الاعلامي عبرشبكات التلفزة الفضائية والانترنيت، حيث لم يعد بامكان الدول ذات السيادة التقليدية ان تحجب عن فضااتها الغزوالثقافي والاعلامي، الامر الذي كانت توفره اجراات سيادية تقليدية من مثل اغلاق بوابات الحدود الجغرافية في وجه عمليات الغزو الاتية من الخارج. حتى ان عددا من الخبرا الانكليز راحوا يصفون هذه الظاهرة العالمية ب«القوة الناعمة»التي تستطيع ان تحقق غاياتها الاستعمارية على نطاق واسع من دون ان تخلق ردات الفعل التقليدية الثورية التي كانت تنجم عادة عن الشعوب التي تتعرض كرامتها القومية للمهانة وسيادتها للانتهاك وارضها للاحتلال. هناك اعتقاد، بين واضعي استراتيجيات الاعلام، مؤداه ضرورة ان ياخذ مسار الهيمنة عبر الفضا مداه اللامتناهي على نحو يلبي الحاجة اللامحدودة للشركات متعددة الجنسية ومراكز الهيمنة المالية والاقتصادية. وهم في ذلك يدعون الى تجاهل مظاهر الهوية التقليدية للشعوب والمجتمعات، كالقومية والانتما العرقي والدين والجنس والموقع الجغرافي.والامر الذي يدعو للتشاؤم هو ان هذه الاستراتيجيات تشكل مصدر اغرا لكبار رجال الاعمال الذين اصبحت الحدودالقومية عائقا امام توسيع مصالحهم وحركة راس المال الذي يملكون، ما جعلهم يمارسون ضغوطات هائلة على حكوماتهم للانخراط والانصياع في عمليات السوق المفتوحة التي لا تعرف حدودا اقليمية، حيث الكون كله، في هذه الاحوال، خاضع لنظام راس المال العالمي. ولقد اظهر الاعلام الفضائي، بشقيه المرئي والمسموع، فعالية حقيقية لتغليب هذا المسار على حساب مبدا المصلحة القومية والسيادة الوطنية. في حين بدا كما لو ان الصحافة المكتوبة وشبكة المراسلين التابعة لها غير ذات اهمية في ظل الاستحواذ المخيف للاعلام الفضائي وسرعة ايصال الصوت والصورة عند تغطية اي حدث في اي مكان من العالم. هذه الوضعية يترجمها، بشي ء من المرارة، الصحفي البريطاني المعروف «روبرت فيسك» عندما كان مراسلا لجريدة «الاندبندنت» في اثنا حرب الخليج، فكتب يقول: «ماذا كان بوسعي قوله لجريدتي من العربية السعودية اثنا الدقائق الاولى من الحرب، في حين كانت شبكة ت .ت .ا قد نقلت من بغداد مباشرة بداية الصراع؟ واذكر انني شعرت باحساس قوي كانه الم عضوي عندما ادركت ان ايام الصحافة المكتوبة القديمة والجميلة قد انتهت.. وحلت محل عملناالقديم متابعة التلفزيون مباشرة، مع العلم ان هذا يجعل الانبا اكثر قبولا بالتلاعب من اي وقت مضى. ويعبر عدد من الصحفيين الغربيين الذين رافقوا تطورات حرب الخليج، وما نجم عن نتائجها في الشرق الاوسط والعالم،عن شعورهم بالاحباط جرا التحاق الصحافة المكتوبة بخداع الاعلام المتلفز، خصوصا حين انبرت تنقل تقاريرالشبكات الفضائية عن ظهر قلب، من دون ان تتحقق من صحتها وصدقيتها. وفي هذا المجال يتسال، الصحفي الفرنسي «ايناسيو رامونيه» (ث ب تتت آث تپ اآتبپ )، مدير تحرير «لوموند ديبلوماتيك»، عما يمكن عمله لمجابهة الغاز«المطياف» من اخبار وافساد؟ ويقول: «من الثقة بعينيه؟ وبان المظاهر، رغم معجزات النقل المباشر تبقى خادعة ومكارة؟ وبان العقل الديمقرطي يبقى قائما على الشك المنهجي، وعلى صمت التفكير وعلى النقاش النقاد؟ وبانه في الجو المشحون بالشعبوية وبالغوغائية تستطيع صدمة المشاهد والصور ان تؤدي الى تنازلات مرعبة، والى الانصراف عن الحقيقة» . ((336)) ان الاليات الاعلامية تقصد، بشكل منهجي ومعمق، اعادة تشكيل الوعي الجماعي العالمي وتكييفه على نحو يناسب حاجات الامبريالية المفتوحة. فثورة التكنولوجيا العالمية، كما يؤكد الكاتب الفرنسي «ايناسيو رامونيه»، تتطلب احلال الحاسوب محل العقل البشري، وتتسارع هذه العقلنة العامة لادوات الانتاج بفعل التوسع الكبير في الشبكات الجديدة للاتصالات، وبذلك ينشط الانتاج، وتختفي بعض المواد، وتتفجر موجة البطالة والعمل المؤقت. اما في الميدان الاقتصادي، فالسائد هو ظاهرة «العولمة»، اي الارتباط المتزايد والوثيق بين اقتصادات البلدان المتعددة. وتهم هذه «العولمة» اساسا القطاع المالي الذي يهيمن من بعيد على الاجوا الاقتصادية، وتعمل في الاسواق المالية طبقا لقواعدوضعتها بنفسها لنفسها، وباتت من الان فصاعدا تفترض قوانينها الخاصة على الدول نفسها. وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية احدثت ثورتا الاعلام والاقتصاد ازمة في مفهوم السلطة، فبعد ان كانت هذه حتى عهد قريب عمودية ابوية مهيمنة، باتت الان تزداد افقية وفق تركيب شبكي بفعل تقنيات الاستقلال الاعلامي، وفي ذلك تغيير جذري في هوية السلطة السياسية وممارساتها، يعني الان لا تستطيع السلطة السياسية، في اي بلد من العالم،حتى في البلدان الاكثر قدرة على ضبط البنية المجتمعية فيها، على ضبط الهوية الثقافية والحضارية الايديولوجية فيها،ولا تستطيع الامساك بمفاصل السيادة الثقافية، او تتحكم بعملية التوجيه الثقافي. بدا الان ان هناك سلطة خفية تتسلل من بين اصابع السلطة المحلية لتفعل فعلها في المجتمعات. وانا اميل الى الاعتقادبان كثيرا من الدول التي تمانع «العولمة» ، والتي ما زالت تحافظ على هويتها الوطنية والقومية ستواجه خيارا من اثنين: اماالتكيف، او التماهي مع انصاف «العولمة»، او التكيف والممانعة بطريقة مبتكرة وبطريقة اكثر تلاؤما مع مقتضيات حركية الزمن الجديد. ولم تكن التكنولوجيا التي انجبتها العقلانية الغربية في اي يوم بريئة من غاياتها السياسية، كذلك لم تكن ثورة المعلومات التي اختتمت القرن العشرين بريئة من دا التسييس، وهذا ما قلناه. وحين يذهب الاعلام المسيطر ليسوغ ثورته المدهشة، فلا يفعل هذا الا لخدمة طبقة سياسية تتصدر عرش العولمة وشركاتها الكبرى، وعلى امتداد هذه الملحمة الفظيعة لعولمة آخر القرن، تلقي امبريالية الصورة والصوت بظلالها فوق عالم يترنح وانسان يواجه مصيره بعقلانية صارمة. (3) يتمركز السجال حول فلسفة الاعلام في اوروبا والولايات المتحدة، بصورة اساسية، على الجانب المتعلق بالاثرالسلبي على السيادة القومية للدول الامم. وهو ما تشعر به اوروبا اليوم، في كثير من الحرج، نتيجة الهيمنة الاميركية على عقول الاجيال الجديدة في مجتمعاتها، اذ انها تستخدم منظومة وسائط اعلامية موجهة الى اوروبا والعالم استطاعت من خلالها ان تشكل تيارا ثقافيا استهلاكيا جعل كثيرين من الخبرا الاوروبيين يتسالون عما اذا كان عليهم ان يودعواهويتهم الثقافية. والالسني الاميركي «نعوم تشومسكي» يقول: «ان وظيفة المنظومة الاعلامية الاميركية هي ان تسلي وتلهي وتعلم..وترسخ لدى الافراد القيم والمعتقدات وقوانين السلوك التي تجعلهم يندمجون في بنى المؤسسات داخل المجتمع الموسع. وحتى يكون بالمستطاع القيام بهذا الدور، في عالم تتمركز فيه الثروات، وتشتد وتقوى فيه النزاعات بين مصالح الطبقات، يجب القيام بدعاية منظمة». لكن اذا كانت مشاعر الاوروبيين على هذا النحو من الحذر تجاه الاستحواذ الاميركي على الاعلام، فكيف سيكون عليه الحال في بلدان العالم الثالث؟ الامر هنا يدعو الى اليقين بان هذا العالم يتعرض لحملة استعمارية اشد واقصى، وهي هذه المرة تتصل بغزو الوجدان والثقافات وحرف المجتمعات المتاخرة، وخصوصا مجتمعات الجنوب، عن قيم التحرر، واشعارها بلا جدوى التمسك بمبادى السيادة والكرامة الوطنية. لقد لاحظ عدد من الخبرا الغربيين كيف تطورت ميزانيات الاعلام الى درجة اصبحت توازي ميزانيات الدفاع لدى بعض البلدان. وتقول الاحصاات انه، منذ العام 1986م، بلغ رقم اعمال اقتصاد الاعلام في الغرب والاتصالات مبلغ(1185) مليار دولار: منها 515 مليارا للولايات المتحدة، و267 مليارا للجماعة الاوروبية، و253 مليارا لليابان، و150مليارا للاخرين جميعا. ان استيعاب المعطيات المتعلقة بشركات الدعاية والاعلان وهي الحامل الاول للاعلام في هذه الارقام، يعزز الاتجاه الواضح لسيطرة الشمال. وعلى هذا المستوى من تمركز المقدرات، يصبح من اليسير ان نفهم لماذا اصبح التساؤل عن التوازن بين الشمال والجنوب تساؤلا تافها ومثيرا للسخرية. والشك الوحيد الباقي ينصب على كيفية انتها المعارك المستميتة التي تخوضها بعض المجموعات الضخمة ضد بعضها ((337)). غير ان القضية، كما يراها الكاتب الفرنسي «سيرج لاتوش» (ب ب اج تث آپ ب بثب ث الذي يعني اقتلاع الجذور على صعيد الكرة الارضية كلها» والذي يؤدي باسم «التنمية» الى العوز والفاقة وشعور الانسان بان اللّهقد تخلى عنه، «كما انه بالاضافة الى ذلك يحرم من الوجود ولو بشكله الكامن ما يسمى حتى الان ب الدولر الامم. وهذاتطور دفع الى اقصى درجات التشوه الساخر في اكثرية دول العالم الثالث» ((338)). والموجز، فان الديناميات المتبعة لوسائل الاتصال والاعلام بعد الحرب الباردة، آيلة الى غاية واحدة لا مناص منها،هي: تحرير حركة راس المال من اي قيد، بما فيها القيود النابعة من مصلحة الامم التي لا يزال راس المال الوطني يؤلف «ميكانيزم» استقلالها وسيادتها. ا. محمد حسين: المحور الثالث، والاخير، من هذه الندوة، هو: «ثورة الاتصالات وآثارها على انظمة القيم واعادة انتاج الاخلاق العامة»،وسيتحدث فيه د. طلال عتريسي. د. طلال عتريسي: ما هي هذه العلاقة المفترضة بين الاعلام والقيم؟ تتعدد النوافذ التي يمكن ان نطل من خلالها على هذه العلاقة التي يتسع النقاش حولها، بعدما باتت القدرات الاعلامية وتقنياتها الهائلة سمة العصر ومكمن القوة التي تسعى حكومات العالم الى امتلاكها، او السيطرة عليها. وها هو «بريزنسكي»، على سبيل المثال، يرى، قبل سنوات، «ان قسما كبيرا من قاعدة القوة الاميركية هو في هيمنتها على السوق العالمية للاتصالات... ان هذا يخلق ثقافة جماهيرية لها قوة التقليد السياسي..». ليست المرة الاولى، في تاريخ تطور الانسانية، التي تطرح فيها وسائل الاعلام والاتصال على نفسها مهمات حضارية وقيمية عالمية، ففي كل مرة، كانت تحصل فيها اكتشافات جديدة، على هذا الصعيد، كانت مخيلة توحيد العالم تتسع عند من يسيطرون على تلك الاكتشافات. في عام 1860م.، ومع تطور شبكات سكك الحديد، والخطوط البحرية،والملاحة البخارية، والبريد والتلغراف في اوروبا، بات الاتصال ممهدا للحضارة، وبدا النظر الى العالم بوصفه جسماواحدا ينبغي العمل على توحيد اجزائه او ربطها ببعضها. وهكذا بدات تنشا، في اوروبا، الاتحادات الدولية للبريدوالتلغراف ووسائل الاتصال الاخرى، وهي ما ستكون نواة المؤسسات الدولية التي ستسيطر على وسائل الاتصال كافة التي نعرفها في نهاية هذا القرن. ولا يمكن، في الاطار نفسه، ان نفضل اثر الاعلام على القيم والاخلاق، وعلى الهوية الثقافية، عن النقاش الاخر الذي يدور، منذ سنوات، في اماكن كثيرة من العالم، حول «العولمة» وآثارها، خصوصا وان بعضهم يرى ان «العولمة» تتحقق بفضل تقنيات الاعلام والاتصال المتطورة، بينما يرى آخرون ان هذه التقنيات نفسها هي نتاج «العولمة».. وفي الحالتين ثمة ربط اكيد بين ما وصل اليه الاعلام اليوم وبين «العولمة». وما يطرح على صعيد القيم بشان الاعلام، يمكن ان يطرح ايضا على صعيد الاقتصاد وعلى صعيد السياسة، وحتى على الصعد العلمية والبحثية وعلاقتها بالقيم، بعدما تحول الاقتصاد الى قيم الاستهلاك والنهب والسياسة الى السيطرة والاستعباد، وبعدما بانت البحوث العلمية غير بعيدة عن مصالح الشركات الكبرى والمؤسسات التجارية، خصوصا ان الترابط بين هذه المستويات ترابط وثيق لحمته الاعلام بتقنياته كافة. وربما لا يحتاج المرء الى الكثير من الامثلة في اطار هذا البحث «القيمي» عن الاعلام، للتاكيد على ان هذا الاعلام لا ينقل الحقيقة، وانما يصنعها، خلافا لما يدعيه، ولما يروج له، الكثيرون. وما فعلته وسائل الاعلام الغربية في رومانيا اثناالاطاحة برئيسها «تشاوشيسكو»، اثار اتهامات واسعة لها بالتدخل المباشر واللااخلاقي في التاثير على الراي العام، وفي توجيه الاحداث نحو سياسات وغايات محددة خارج الضوابط المهنية والاخلاقية (مبالغة في اعداد القتلى والمتظاهرين. ..). وفي حرب الخليج الثانية احتكرت شبكة ال «ت .ت .ا الرقابة العسكرية. وهكذا تكرر الامر في صناعة الحقيقة التي تريدها وسائل الاعلام مع انتخاب «يهودا باراك» وجعله «داعية سلام»، ومع الاضطرابات الطلابية في ايران وانحيازها الى فريق ضد آخر. وربما نفهم كيف تجري صناعة الحقيقة هذه،عندما نعلم ان الولايات المتحدة الاميركية تملك 65% من مجموع شبكات الاتصال العالمية. وعندما نعلم ان قطاع الاتصالات يحتل اليوم الدور المركزي في اقتصاد الولايات المتحدة الاميركية، وان هذا القطاع لا يزال يخضع لتدخل الدولة المباشرة ماليا وسياسيا وديبلوماسيا، كالقطاعات الاخرى التي تعد استراتيجية للهيمنة الاميركية. يقوم الاعلام العالمي اليوم على ما يسميه مبدا حرية التدفق، وفلسفة هذا المبدا تعني ان المتلقي حر في اختيار ما يشامن المعلومات او السلع. لكن ذلك يمكن مناقشته من زاويتين، الاولى: ان هذه الحرية في الاختيار غير كاملة، اذ ليس ثمة تدفق حر لكل المعلومات التي يمتلكها الافراد او المؤسسات في الغرب. وعلى مستوى الاستهلاك ثمة هيمنة لشركات كبرى اقتصادية تروج للسلع التي تريد. وعلى المستوى السياسي يتم الترويج لمواقف واتجاهات معينة. وعلى المستوى القيمي الاجتماعي يتم تحويل الانسان الى مستهلك فرد، وليس الى مواطن او الى كائن له علاقات انسانية واجتماعية مع الاخرين، «اما المنع الوحيد الذي يمكن ان يطبق على منتج ثقافي ما، فيجب ان يكون فشله او نجاحه في السوق..». ان مبدا التدفق الحر للمعلومات هو صياغة اميركية لجعل الصناعة الاعلامية الاميركية صناعة عالمية عبر تصديرها الى دول العالم كافة. لقد وضع «البنتاغون» قبل نهاية الحرب العالمية الثانية طائرات عسكرية في خدمة الناشرين واصحاب الصحف الاميركية ليتمكنوا من الذهاب الى قادة دول الحلفا، والتبشير بفضائل الصحافة الحرة، وبحرية التبادل على صعيد المعلومات. عام 1946م (ذرژس حآ ذچخددخج المساعد في ذلك الوقت، يقول: «اننا نعتزم القيام بكل ما في وسعنا، على المستوى السياسي او الديبلوماسي، لكي نساهم في ازاحة العراقيل المصطنعة امام توسع وانتشار وكالات الانبا، والمجلات، والافلام، ووسائل الاتصال الاميركية الاخرى التي يملكها القطاع الخاص. ان حرية الصحافة، وكذلك تبادل المعلومات بشكل عام، جزء لا يتجزا من سياستنا الخارجية» ((339)). ولم تتغير هذه الاولوية في عهد الرئيس «كلينتون» منذ عام 1993م. وقد دافع المندوبون الاميركيون في الامم المتحدة، وفي الاونيسكو ايضا، عن هذا «التبادل الحر» للمعلومات في كل المناسبات التي اقتضت ذلك. وقد يكون مفيدا ان نذكر بان خطة «مارشال» الاميركية لمساعدة الدول الاوروبية المنكوبة بعد الحرب العالمية الثانية تضمنت دعم واشنطن المادي لافتتاح اسواق لاستيراد المنتجات الثقافية الاميركية الى هذه البلدان. وقد ساهمت هذه الاسواق، وما انفقته الولايات المتحدة الاميركية على تطوير وسائل الاتصال، في هذه الهيمنة الاميركية على هذا القطاع، وفي رؤية الاميركيين ليس فقط للقرن الحالي بانه القرن الاميركي بل وللقرن القادم الواحد والعشرين بانه ايضا قرن التفوق الاميركي. هل يمكن لقيم اخرى لا تملك وسائل اتصال مماثلة ان تواجه قيم ثقافة السوق وحرية التدفق وصناعة الحقيقة؟ طرح الاوروبيون على انفسهم مثل هذه الاسئلة، وحاولوا الاجابة عنها عبر الاحتجاج على الهيمنة الاميركية على ثقافتهم، لكنهم لم يقدموا البدائل الفعلية في ظل موازين القوى العالمية التي تمنعهم من التفلت من السياسات الاميركية العسكرية والاقتصادية والثقافية. هل بامكان الشعوب العربية الاسلامية ان تحافظ على قيمها الدينية مع هذه «العولمة» لوسائل الاتصال وما يضخ عبرهامن قيم؟ هل تكفي بدائل الدين واخلاقياته للحد من وحشية قيم السوق وخدعة حرية التدفق والتبادل الحر؟ وهل عالمية الاعلام بهذا المعنى هي شر مطلق لا خير فيه للبشرية؟ . ليس من البساطة او السهولة الاجابة عن اسئلة معقدة كهذه، وعما يمكن ان يفعله المتلقي، شعوبا ومجتمعات وافرادا،في مواجهة هذه الماكينة العالمية الضخمة. وربما لهذا السبب تتعدد الاجابات وتتباين بين من يرى في بث القيم الدينية وترويجها ردا مناسبا. وبين من يبحث، الى جانب ذلك ايضا، عن مواكبة ما يجري من خلال النوافذ المفتوحة على الرياح العالمية وتياراتها. وربما يفسر هذا التباين الصعب القلق الثقافي في غير مكان في العالم الاسلامي، وخصوصا في بلدانه التي لا تزال القيم الاخلاقية تشكل جزءا اساسيا من مكونات شخصيتها وهويتها، وحيث لا يزال حكامها يعدون هذه القيم هدفا تنبغي المحافظة عليه واعلا شانه. ان اي مشروع محتمل لمواجهة من هذا النوع، خصوصا على مستوى حماية القيم بما هي جزء من الهوية الثقافية ومن الانتما الديني والانساني، لا يمكن القيام به الا على مستوى جماعي في اطار الهيئات والمنظمات والدول الاسلامية كمنظمة المؤتمر الاسلامي على سبيل المثال، كما ذكر فضيلة الشيخ، علما بان هذه الدول، وعلى الرغم من قدراتهاالبشرية والثقافية والمالية لم تبلور لغاية الان عملا موحدا على هذا الصعيد، ولم يتطور التواصل بينها على مستوى شبكات المعلومات. ولا يبدو في الافق القريب ما يشير الى الانتقال الى ما هو افضل على الرغم من الدعوات والاجتماعات التي حصلت منذ سنوات على مستوى وزرا الاعلام والثقافة في الدول الاسلامية ودعواتها الى مؤسسات مشتركة لم تبصر النور حينا، ولم تكن ذات فاعلية حينا آخر، بسبب الخلافات السياسية بين هذه الدول اوبسبب غياب الاهتمام الجدي بالشان الثقافي فيها. هل يعني ذلك اننا امام قدرة هائلة ستطحن عاجلا ام آجلا قيمنا في ماكينتها الاستهلاكية العالمية؟ وهل يعني ما تقدم ان العولمة المفترضة ستطيح بالحدود الثقافية كما فعلت بالكثير من الحدود الاقتصادية في غير بلدمن بلدان العالم؟ ايضا، لا يمكن، وبهذه البساطة، ان نقول ان عصر الخصوصيات القيمية والثقافية بدا بالافول. وربما تفسر الظاهرة الاسلامية بشكل رئيسي، وكذلك ظاهرة الاديان الاخرى، وحركات العودة الى الطبيعة في دولالعالم المختلفة، حجم الرغبة في العودة الى الذات والى ما هو «انساني»، ومدى الاتجاه الى التفلت من صنمية الاعلامالغربي ولااخلاقيته الواسعة. كما ان القيم الدينية والاخلاقية الراسخة عند الشعوب الاسلامية، تحديدا، سمحت بتشكيل ما يمكن تسميته ب«نظامالمناعة» امام المحتوى المخالف لهذه القيم في وسائل الاعلام الغربية. ويرتبط هذا «النظام» بشبكة من العلاقات علىالمستويات الفردية والجماعية، وعلى مستوى المؤسسات المحلية كدور العبادة والمؤسسات التعليمية والبنى العائلية.وقد لعبت هذه العلاقات وتلك البنى دورا هاما في المحافظة على الهوية والاخلاق والثقافة والقيم الاسلامية. وهذهالقيم والعلاقات تفسر، على سبيل المثال، محدودية انتشار ثقافة تحديد النسل او تنظيم الاسرة في كثير من بلدان العالمالاسلامي. ومحدودية انتشار ثقافة العلاقات الحرة بين الجنسين، او ثقافة حرية الابناء في مواجهة الوالدين. ويمكن، في هذا الاطار ايضا، دراسة التجارب الاعلامية الناجحة في بعض ما قدمته السينما الايرانية والسينما المصرية،على سبيل المثال، في مضامين لا تخدش الجوانب الاخلاقية، ولا تكرر سينما الجنس او العنف. وتستوفي الشروطالفنية المناسبة، وتحقق، في الوقت نفسه، حضورا عالميا بارزا. ان استحالة المواجهة الشاملة مع الاعلام الغربي، لا ينبغي ان تحجب امكانيات تعزيز «نظام المناعة» ومؤسساته العائليةوالتربوية والعبادية والاجتماعية، او امكانية ان يطور كل بلد نموذجه في الاتصال وفقا لحاجاته وتقاليده، او وفقالامكانيات وسائل الاعلام التي تمتلكها الحركات والدول الاسلامية في البلدان الاسلامية كافة. ان ما يستفاد من تجربة الاعلام الغربي في محتواه الموجه الى العالم الاسلامي وشعوبه وقيمه، انه لا يلجا الى ما هومباشر في نقد الاسلام وعاداته، او في الترويج لافكار الغرب وقيمه الا نادرا، بل يعمد الى ما يمكن ان نسميه بسياسةالتراكم والتنوع التي تؤدي، من خلال تكرار المفاهيم والصور غير المباشرة في وسائل الاعلام المختلفة، الى تكوينالراي، او الانطباع، المشوه عن هذا العالم وعن هذا الدين وعن الشعوب التي تعتنقه، والى تكوين صورة اخرى عن عالمالغرب جذابة وبراقة، من دون ان يغفل التنوع الذي يتيح انتقاد هذا الجانب او ذاك من جوانب الحياة في العالم الغربي،وهو اسلوب ناجم عن خبرة عميقة في سيكولوجية التاثير الاعلامي، وعن مقدرة على الصبر وتحمل النفقات الباهظة،وعن امتلاك انواع مختلفة ومتعددة من وسائل الاعلام التي تتوجه الى الانسان في مختلف مراحل حياته وفي مختلفاوجه نشاطه. بينما لا يزال الاعلام الاسلامي، لاسباب شتى، اعلاما مباشرا، يتوخى التاثير العاجل ولا يتحلى بالصبرالذي يثمر بعد حين. لا يعني ما تقدم ان التطور الاعلامي الغربي رجس مطلق. فلولا هذه التقنية الهائلة في اختراق المساحات والحدودلبقيت مجزرة قانا في جنوب لبنان طي الكتمان. ولولا القنوات الفضائية لما امكن معرفة ما يجري في العالم، ولا امكنايصال ما نريد اليه. ومع الشبكات الحالية للمعلومات (انترنيت) التي تفتح نوافذ المعرفة على العالم كله، يمكن انتحتل«رسالة» الافراد والمنظمات والمؤسسات والحكومات في البلدان الاسلامية كافة بمحتواها المناسب، حيزا فيهذه الشبكات، سواء بين هذه البلدان نفسها او الى جانب مصادر المعرفة الاخرى التي يبثها الاخرون من زوايا العالمالاربع. ان الاعلام بات علما وفنا في عالم اليوم، يتداخل فيه التقني بالنفسي والسياسي بالثقافي. ولا ينبغي ان نهمل ذلك كلهاو نسوغ غيابه، لان «الرسالة» بمحتواها الاخلاقي لن تصل الا اذا توفر فيها ذلك الترابط. ا. محمد حسين: المجال مفتوح لاسئلة الحاضرين ومداخلاتهم. د. عبد المجيد زراقط: ان كانت «العولمة» «مظهرا من مظاهر عمل الشيطان وكيده المستمرين»، كما تفضل سماحة الشيخعلي خازم، فان هذا الشيطان سيحضر ويكيد في مجالات فعلنا، وسيكون اكثر حضورا عندما يبدا بث التلفاز الكوني، مايجعلنا في مواجهة لا مفر منها... ماذا علينا ان نفعل في هذه الحالة التي لا تفيد فيها المصادرة ولا المنع ولا كيل التهموالشتائم!؟ اليس الاجدى ان نعمل من اجل امتلاك قدرات الممانعة والمنافسة؟ وان كان الجواب بالايجاب، فكيف نمتلك هذه القدرات؟ وماذا نفعل في هذه الحالة؟ الشيخ علي خازم: انا لم اصف «العولمة» بالشيطان، وانما قلت هي مظهر من مظاهر عمل الشيطان المستمر في كيدهللانسان الى يوم القيامة. ان الشيوعية مظهر من مظاهر عمل الشيطان، كما كانت الراسمالية. الشيطان توعد بالاستمرارفي الكيد للانسان. امتلاك التقنية ليس مشكلة من جهة التقنية نفسها، نحن نستفيد، ايران اليوم تمتلك غير محطة علىالقمر الصناعي، وتمتلك بعض التقنيات التي تقترب من تقنيات التلفاز الكوني، عندما ذكرت اننا عندما نطالب بالتنسيق بين القوى او الحركات الاسلامية والافراد المسلمين في انحاء العالم مع الجمهورية الاسلامية، كان ذلك لانها تمتلكاليوم نوعا من التقنية المتقدمة. القمر الصناعي (الزهرة) الذي تمتلكه الجمهورية الاسلامية يمكنه ان يقارب تقنيا ماستصل اليه اميركا مستقبلا. التقنيات موجودة، مصر تمتلك على القمر الصناعي الذي اطلقته لحسابها الخاص، وعلىالعربسات 1 و2، اكثر من 84 محطة فضائية. قس على ذلك الشركات الخاصة والدول. التقنية موجودة، العالم الاسلامييمتلك التقنية، ولكنه لا يمتلك القرار. لذلك قلت: لا امل على المستوى الرسمي في العالم الاسلامي، ما عدا ايران، لاامل ان نستطيع ان نوفق لخطة وخطوات عملية لمواجهة «العولمة». لذلك تحولت الى طلب العمل الشعبي، يعني لانملك دولة اسلامية مستقلة تماما غير ايران في العالم الاسلامي اليوم، الدول الاخرى جميعها مرتبطة بالعولمة، لايمكن ان نقف مكتوفي الايدي، لا يمكن ان نقف متلقين، نحاول قدر الامكان، بالتعاون مع الجمهورية الاسلاميةالايرانية، ولكن على هذه الجماهير ان تقوم بشيء ما، وهي تمتلك، بالحد الادنى، طاقات، وقدرات، تملك الوسائطنفسها وقد لا تكون، على ما يتحدث به اهل الاختصاص، «الهارد وير»، نحن نقدر ان نتحرك ب«السوفت وير» حتى اذااستخدمنا الفاكس بامكاننا المواجهة، لا يوجد عجز، والقرار بالمواجهة ينبغي ان يطلق وان تطلقه الشعوب الاسلامية. ا. غازي ايوب: قضية الجام العوام لم تعد مجدية، من يستطيع ان يمنع واحدا من الشعب من الجلوس امام التلفاز ومتابعة اي برنامج يعرض بشكل وصورة وطريقة وكلمة؟ من يستطيع؟ لا احد يستطيع. هناك وسائل تقنية متقدمة لاقطة لابد من ان نعيد امر تقديرها الى المشاهدين. ان الامر يتعدى الجام العوام. في الامر سبق حضاري بين انسان متقدم وانسان متخلف، فمعالجة هذه القضية لابد من ان تكون على هذا المستوى، الانسان المتلقي ليس اسفنجة تمتص سائلا من دون تمييز. فعملية رفع مستوى الشعوب فكريا صار ضروريا كي يتمكن المرء من الفهم والتمييز،فالاعلام الديني يتطلب جهدا فكريا، بالدرجة الاولى، لان الفكر الديني هو الذي يواجه وليس الدين، فعلماء الدين،والقيمون على الاعلام الديني، يجب ان يكونوا بهذا المستوى الفكري المتقدم في العصر. والقضايا التي تطرح... يجبان ننطلق انطلاقا واعيا، فالعالم الديني، ومن يقوم بهذه المهمة في المسجد، في النادي الحسيني، في اي مكان، يجبان يكون على مستوى عقلي من العلوم.. في الاعلام الغربي خلفية يهودية مدمرة للعالم. هناك سياسية يهودية وراءتسييس اجهزة الاعلام في الغرب وفي اميركا بالتحديد، لتخريب العالم وتحقيق السيادة اليهودية. فوعي هذه الظاهرةوالتحكم في نشر هذا الوعي في العوام هو السلاح الاجدى.. ا. غازي ايوب: اتوقف عن اكمال حديثي.. ا. ناصر الحجاج: يجب ان نميز بين الاعلام والاعلان... الشيخ علي خازم: تعليقا على مداخلة الاستاذ غازي حول «الجام العوام»، طبعا، هناك فرق بين مفهوم هذا التعبير وبينالقرار الذي صدر بملاحقة بعض الصحون اللاقطة.الملاحقة تمت بناء على قانون، والصحون ظهرت بعد صدورالقانون. قلنا: ان المسالة ستصل الى مرحلة لن تتمكن معها القوانين ولا السلطات من لجم هذا الانفتاح. ستفتح التلفاز وتشاهدالتلفاز الامريكي مباشرة من دون صحن لاقط خلال سنتين، المسالة اذن تحتاج الى ممانعة وليس الى لجم، لابد منوجود ممانعة، كيف يمكن لي ان امتنع عن مشاهدة هذا الذي تتهمني باني اشاهده ليلا؟ كيف يمكن لي ان امتنع عنه اذالم احصل حصانة من خلال هويتي الاسلامية، ومن خلال التزامي وارتباطي بمعارفي وعقيدتي؟ كيف يمكن ذلك؟ ماذايجب على الاعلام الاسلامي والديني ان يقدما لي لاتمكن من تحصين نفسي؟ هذا هو محور الموضوع والذي ينبغي اننتعاون من اجل بحثه. وقلت، اذا لم اذكر النص بالحرف: ان موضوع مواجهة «العولمة» لا يختص بعلماء الدين وحدهم،لابد من التعاون بين علماء النفس والاجتماع... الخ، الى ما هنالك من الاختصاصات في العلوم الانسانية، كما كنا نطالب بذلك بما عرف بمرحلة الغزو الثقافي، هذه مسؤولية الامة الاسلامية كاملة وليست مسؤولية جزء من الامةالاسلامية. اما بالنسبة لموضوع الاستاذ ناصر، فحقيقة لم اطلع على الربط بين ما ذكرته من ان الاعلام يؤثر في الهوية والاعلان يؤثر في القيم فقط . الموضوع متداخل، يعني الاعلام يؤثر في الهوية والاعلان كذلك والعكس كذلك صحيح ، البرامج التي تسيء الى شخصية العربي، والى شخصية المسلم، عندما تتركز فيها هذه الحالات، عندما تتعدد البرامج والافلام،وانت تشاهدها، تشعر، اذا لم يكن لديك ما يكفي من الاصالة والممانعة، بالانسحاق وانك تريد ان تخرج من جلدك لتكوناميركيااو تابعا لاي جنسية اخرى. فهذا الفرق لم اطلع عليه. اما بالنسبة الى ما تفعله الجمهورية الاسلامية، فحقيقة منموقعي المتعلق والمتابع في المجال الاعلامي ، لا اقل منذ المؤتمر الاسلامي السابع المتعلق بالاعلام الاسلامي سنة1989م،هناك متابعة تفصيلية في الجمهورية الاسلامية، وهناك حلقات ومؤسسات تنشا واعمال تتراكم سنويا،والعمل على المستوى الاعلامي العالمي من خلال الجمهورية الاسلامية يسير، لم نصل الى مرحلة العالمية، ينبغي اننصل اليها من حيث ان عالمية الاسلام تفترض اعلاما دوليا اسلاميا واعلانا عالميا اسلاميا. يمكن اننا لم نصل الى هكذامستوى، لكن الكثير من الخطوات في هذا المجال قد تحقق ونعرف الاشياء الكثيرة منها في لبنان. السيد محمد الحسيني (صحفي ايراني مقيم في بيروت): اذا سلمنا بان الاعلام الكوني الواحد والفكر الواحد والرايالواحد، قد اثبتت فشلها، واذا سلمنا بان الوسيلة الاعلامية، وان كان يمكنها ان تحمل قيم المسجد ورسالته، لكنها لايمكن ان تتحول الى مسجد... اذا سلمنا بهذه البديهيات: هل المنع من اقتناء الصحون اللاقطة هو السبيل لتحقيقالمجتمع؟ اليس هذا المنع اكبر دليل على عجز الدولة عن تامين البدائل المقنعة للشعب؟ السؤال موجه للدكتور طلال عتريسي. د. طلال عتريسي: اعتقد ان النقاش لم يحسم حول هذا الموضوع، لان الاجابة عنه صعبة ومعقدة، ويمكن ان نفهممسوغات هذه الوجهة من النظر وتلك، يعني، مثلا، من خلال النموذج الطبي، يعني هناك بعض الاطباء يمنعون عنالانسان تناول امور معينة، لانها تفيد في علاج جوانب اخرى، بالاضافة الى اعطائه الدواء المناسب. يمكن ان تفهمالمسالة في هذا الاطار، وبالمقابل لا يمكن ان تعالج المريض ... بالمنع، وانما تعطيه بعض العلاجات الضرورية. في ايطاليا، في بعض المدن، اذا شوهد شخص يكفر، يدفع غرامة مالية، يحصل هذا الامر في بعض الدول. ويمكن اننواجه ما يشبه ذلك، في البلدان الاسلامية، بقرارات من هذا النوع، هذه مشكلة. ليس من السهولة ان نقول: فلنسمحبكل شيء او فلنمنع كل شيء، ليست الاجابة سهلة. والحل ليس بالمستوى الفردي، اي ان شخصا ما حر في ان يعملما يشاء او يمتنع عنه، الحل يجب ان يشمل مئات الملايين من البشر. عندما ناخذ انموذجا مثل ايران، انت تريد انتاخذ قرارا يغطي 60 مليونا من البشر، انت حر في ان تشاهد ما تشاء، لكن وعندما تكون في اطار نظام معين، نظاماسلامي، هذا النظام يفرض على المسؤولين فيه اتخاذ قرارات معينة. وهذا ليس حدا من الحرية، فالحريات فياعتقادي نسبية في كل مكان في العالم. ليس هناك اي دولة في العالم فيها حرية مطلقة. كثير من الاخوان يعرفون فرنسا، ويعرفون ان اية مكتبة ممنوع ان تبيعكتاب «بروتوكولات حكماء صهيون»، واي مكتبة يوجد فيها هذا الكتاب يعتقل صاحبها، ويصادر الكتاب. وهذه، كمايقولون، بلد حريات. انت لا تستطيع ان تدخل كتابا عربيا عبر مطار فرنسا من دون ان يراقب ويظل اسبوعا كاملا فيالمطار لقراءة ما في هذا الكتاب والسماح بادخاله، انا اذا اردت ان اقول: ان الناس احرار يفعلون ما يشاؤون. هل فيجمهورية اسلامية مثل ايران ياتي شخص ويقول: انا حر اريد ان افتح دكانا لبيع الخمر، والذي يريد ان يشتري او لايشتري هو حر؟ هل يستطيع المسؤولون في الدولة الاسلامية ان يسمحوا بهذه المسالة وتحت شعار ان الناس احرار؟اعتقد بان منع الصحون اللاقطة يرى من هذه الوجهة وليس من باب ان الجمهورية الاسلامية تريد ان تمنع رؤية ما يجريفي العالم. كثيرة الاحاديث عن المسؤولين من الدرجة الاولى، الى كل الدرجات، ترى انه يجب ان ناخذ من الثقافةالغربية، او العالمية، ما هو مفيد ونطرح ما هو فاسد. يدور في هذا المجال نقاش حام ويوجد قلق في الدول الاسلاميةفعلا، لان القرار صعب ان تمنع الصحون اللاقطة، لكن ما سنصنع غدا بالتلفزيونات الرقمية؟ ماذا سنعمل؟ ليس هناك قرار بالسماح، ونقول: انه قرار صائب، ولا يمكن ان تغلق، لان هناك غدا تطورات ستتجاوز هذا القرار، لاجل ذلك هنالك قلق ونقاش ومؤتمرات للوصول الى صيغة ما قد تكون هي الحل. توجد معضلة صعبة، كما في الاقتصاد توجدمشكلة، فاي دولة تقبل ان ترهن حالها اقتصاديا؟ لكن هناك شروط، اي لا ياخذون المال دون تحرير الاقتصاد، او انه لاتوجد قروض الا اذا الغي القطاع العام. هذه الدول تقول دعنا نحرر هذا الاقتصاد لاجل ان نعمل تنمية. انها شبيهة بها،لكنك تاتي لترد عليهم وتقول: لا تردوا عليهم، دعوا الاقتصاد موجها من قبل الدولة ودع الدعم للناس لان هذا افضل.طيب، هذا افضل، لكن هذا غير ممكن. ولاجل ذلك، لا نستسهل الاجابة لان المسالة معقدة وتحتاج الى كثير منالجهود والحكمة في ايجاد القرار المناسب. رئيس تحرير المنهاج، سماحة الشيخ خالد العطية: على مستوى الظاهرة التي كانت هذه الندوة بصدد البحث فيها،يخلص السامع لمداخلات السادة اعضاء هذه الندوة الى نتيجة مؤداها ان الاعلام، بتقنياته الكونية المتطورة، اصبحقادرا اليوم على الوصول والنفاذ الى اي مكان والى اي عقل، هذا هو الامر الاول. الامر الثاني الذي يزيد هذه الظاهرة تعقيدا واشكالية هو ان هذا الاعلام تمتلكه وتسيطر عليه قوة كبرى تحاول ان تهيمنعلى العالم، وتفرض رؤيتها الثقافية والحضارية والسياسية والاخلاقية على جميع ابناء هذه المعمورة. والسؤال الضخمالذي يحب المرء ان يجد اجابة، او محاولة للاجابة، عليه، هو: اننا بوصفنا مسلمين، افرادا وهيئات ودولا معنيةبمشروع حضاري اسلامي تحاول ان تركزه في منطقة العالم الاسلامي، اولا، وتقدمه للعالم اجمع، ما هو سبيلها الى انتواجه هذا الاعلام، وتنافسه، اولا، وثانيا ما هو سبيلها الى ان تقدم رؤيتها هي من خلال هذه الوسائل والتقنياتالاعلامية المتاحة اليوم؟ ما هي آلياتها وسبلها ومنهجها في تقديم رؤيتها الحضارية الشاملة للعالم من خلال الاعلامالمعاصر؟ هذا التطور الاعلامي الهائل لا يزال يتقدم يوما بعد يوم، الحقيقة انه بمحاولة تلمس المنهج الصحيح لايجاد حل لهذهالاشكالية الخطيرة، يجب علينا ان نفكر: هل المشكلة هي في ان نمتلك هذه الوسائل الاعلامية او التقنيات المتطورةالكونية الموجودة اليوم؟ هل امتلاك هذه التقنيات والوسائل كفيل بحل هذه المشكلة؟ لو استطعنا ان نطلق قمراصناعيا او ننشى محطات فضائية كونية تصل الى مختلف انحاء العالم، وهذا ربما نستطيع ان نفترض انه ممكن من خلالالامكانات المادية المتاحة، هذا لا يمثل مشكلة في الواقع، لكن المشكلة الجوهرية والخطيرة التي ينبغي ان نستعدلحلها ونحشد كل طاقتنا لحلها هي آليات هذا الاعلام، الفكر الذي يغذي هذا الاعلام، محتوى هذا الاعلام، هل لدينامؤسسات قادرة على صناعة الاعلام قوية منافسة على الاقل، هل لدينا سينما اسلامية؟ هل لدينا مسرح؟ هل لديناادب اسلامي او فن اسلامي بشكل عام من قصة ومسرحية وتمثيلية... الخ؟ هل نبقى، في ضوء هذه الحقائق والمعطيات الجديدة التي نشاهدها كل يوم، متوقفين عند حدود المنبر والخطابالسياسي، عند صلاة الجمعة وما يقرره كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتب الفقه التقليدية المتعارفة،بمراتبه وتدرجاته المعروفة الفقهية التي بحثها الفقهاء؟ هل تكفي حدودها واشكالها القديمة التي لا تزال هي الحاكمةفي النهج الاعلامي الذي ينبسط في الساحة، ام اننا امام تحديات اخرى في الواقع؟ هذا هو السؤال الحيويوالهاموالخطير الذي ينبغي ان نفكر في الجواب عليه، واعتقد ان بلورة الجواب عليه لا تتم من خلال مناقشة او مداخلةاو كتاب او ما شاكل ذلك، وانما تتم من خلال جهود تمتد سنوات، تتم من خلالها صناعة كوادر اعلامية ومحتوىاعلامي قادر ان ينافس وان يصل الى كل بيت والى كل عقل والى كل المتلقين في داخل العالم الاسلامي وخارجه.واسال اللّه سبحانه وتعالى ان يوفق العاملين والمخلصين في هذه الامة في ان يصلوا الى بلورة حلول لهذه المشكلةالخطيرة، واتوجه بالشكر الخالص والمضاعف والمكرر الى الاخوة الذين ساهموا في هذه الندوة، واسال اللّه تعالى انيوفقهم وان يوفق الحاضرين والسامعين والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته. ا. محمد حسين: سؤال موجه الى سماحة الشيخ علي خازم: لا يختلف اثنان في اهمية القنوات الفضائية في هذهالمرحلة، اليس من الواجب الشرعي ان تخصص قناة فضائية اسلامية مهمتها على الاقل حماية القيم الاسلامية، علاوةعلى التبليغ، خصوصا اننا نرى ان الاموال الاسلامية قد تستخدم في غير محلها؟ الشيخ علي خازم: الشق الاول لا اتحمل مسؤولية الجواب عنه، وانا مع صوت الفضائية الاسلامية، ولا اكتفي بالفضائيةالموجودة حاليا (اقرا). نحتاج معها الى الكثير من الفضائيات، وخصوصا على مستوى العالم العربي، مع العلم ان هناكصعوبة في التقاط الفضائية الايرانية، ولكنها موجودة من باب لفت النظر الى بعض الاخوة الذين لا يرونها. وهي لاتكفي، ونحتاج الى اكثر من قناة فضائية اسلامية. اما مسالة صرف الاموال الشرعية، فهذا امر يرجع الى اهله والى الفقهاءاعزهم اللّه. ا. محمود حيدر: السؤال المركب والكبير الذي طرحه سماحة الشيخ خالد العطية، الحقيقة ان هذا السؤال يشكل محورالسجال الكثيف الموجود في عالمنا وفي الغرب. الحقيقة، الذين يعانون من «العولمة» ليس فقط اناس في بلادنا،الاوروبيون يعانون معاناة شديدة الوطاة من «العولمة» الاميركية او من الامركة. هناك نظريات ثقافية سياسية وبرامجللمواجهة الان موجودة في فرنسا والمانيا وايطاليا، وفرنسا بشكل اساسي، حتى ان «فرانسوا ميتيران»، الرئيس الفرنسيالسابق، قبل وفاته، خاطب الرئيس الاميركي «بوش» في مؤتمر في ستراسبورغ للدول الصناعية، قائلا: «خذوا كل شيءودعوا لنا ثقافتنا». في اعتقادي ان آليات المواجهة يجب فهمها من موقع آخر غير الذي نحصر انفسنا فيه، وهو اننانتحدث ونحن ضمن آليات «العولمة»، نحن لسنا خارج «العولمة» على الاطلاق، و«العولمة» هي حالة عالمية نحن لسنامعزولين عنها، على العكس «العولمة» تريدنا ان نكون معها. في اعتقادي هناك وجه ايجابي نستفيد منه، فهناك فضائيات كثيرة، لماذا نبتعد عنها كثيرا؟ هناك اكثر من 15 محطة يملكها عرب من الخليج، سعوديون، ثثآ ،تتآ . هناك محطات فضائية تتقيد باصول الشرع: يجب ان نعترف بهذا الامر. هناك محطات اخرى تفيدنا سياسيا. دعنا ننظر الىالامور نظرة واقعية، نحن نستفيد من الفضائيات، المقاومة الاسلامية عندما يكون لها برنامج على محطة الجزيرة، ويدور سجال، ويستمع الى هذا السجال الملايين من البشر، هؤلاء ياخذون معلومات لا تستطيع صحف ومجلات يوميةالوصول الى هذه البلدان، هذا امر مفيد جدا، هذا يدل على ان الصراع، في الاعلام الفضائي، هو صراع اقتصادي قبل انيكون صراعا ايديولوجيا. لدي ارقام مذهلة عن قدرة الشركات متعددة الجنسية. هذه ليس لها دين او قيم اوايديولوجيات، في اي مكان ترى فيه مجالا للربح تذهب اليه، ولو كان مكانا اسلاميا او يهوديا او بوذيا تتجه اليه من اجلالربح، والربح ليس له دين على الاطلاق. لذلك الصراع الفضائي الاعلامي هو منافسة اقتصادية بالدرجة الاولى، اذااستطاع العرب او المسلمون ان يبنوا محطات فضائية يكون الصراع المعرفي والحضاري والثقافي تحصيل حاصل. وهناك امر كبير جدا رغم كل الهزائم التي عاشها العرب والعالم العربي الاسلامي منذ قرون، يجب ان نبحث عن السر فيانه لماذا استطاع هذا الدين الاسلامي ان يبقى على فتوته، او حيويته في جميع المجالات؟ في اعتقادي هذاالسر يكمن في القرآن الكريم، القرآن: لغة وثقافة... استطاع ان يشك ل هيمنة لا متناهية، ليس لها حدود، وفي النهايةالدعاة لعبوا دورا كبيرا في هذا... وختم الاستاذ محمد حسين الندوة، بشكر المشاركين والحضور على امل اللقاء في الندوة السادسة عشرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق