نحو قراءة جديدة للعناوين الفقهية التي تؤصل شرعية ووجوب المقاومة عموما وللإحتلال الصهيوني في فلسطين خصوصا وما يمكن أن يتفرَّع عليها من مسائل.
كلمة الشيخ علي خازم في لجنة المقاومة والشريعة المتفرعة عن المؤتمر الدولي لدعم فلسطين - "فلسطين رمز المقاومة، غزة ضحية الجرائم" – طهران في 6ربيع الأول 1430 الموافق 4-9-2003 .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد
المقاومة هي رد الفعل الطبيعي لأي كائن حي في مواجهة أي ضغط يتعرض له، وهذه المقولة يستوي فيها العاقل بغير العاقل من الأحياء، بل يمكن الكلام عن إعتبارها موجودة في النباتات و الجمادات بصورة من الصور .
وبالتالي يمكن بحثها والنظر فيها عند العقلاء من حيثيات عدة :
1 - وجودية: لجهة تحقق السلامة والكمال في المنفعل.
2 - قيمية: لجهة تقويم ردة الفعل قياسا على الفعل من حيث الحق وخلافه.
3 - مركبة منهما: لجهة إعتبار الحق الطبيعي والتشريعي ومن حيث التناسب في القوة فعلا وردة فعل.
وبعد الفراغ عن كونها سنة إلهية مجعولة في المخلوقات عموما لحفظ الوجود بحسب الكمالات الخاصة بكل نوع منها، يمكن وتحت عنوان المقاومة في أسسها السماوية والدينية التوسع في البحث عن هذه الحيثيات في الفرد وفي المجتمع البشري على ضؤ القرآن الكريم والسنَّة المطهرة، كما في قوله تعالى مشيرا إلى نقص عند جماعة من جند طالوت وكمال عند آخرين منهم، وهي الحيثية الوجودية :
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {البقرة/249}.
وإلى الكمال عند المؤمنين عموما في قوله تعالى:
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ {الشورى/39}.
ويمكن متابعة الحيثية القيمية والمركبة منها ومن الوجودية في قوله تعالى:
وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى/40} وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {الشورى/41}.
وغيرها كثير كما في السنَّة المطهرة كذلك .
كما ينبغي إحياء وتجديد البحث لإستقصاء كامل الموارد في جميع الأبواب الفقهية وإعادة تقديمها في مطالعة جديدة تستند إلى تحقيق تاريخي لإغتصاب فلسطين، تأمينا للغطاء الشرعي لحركات المقاومة الإسلامية من جهة، وجعل نتيجة ذلك أمانة في أعناق الناس من جهة أخرى.
وإنَّ لإحياء البحث في جانبه الفقهي حاجَته البالغة راهنا لسببين هامَّين هما :
أولا : استبعاد تكرار التجربة المريرة التي عاناها كلُّ مَن تبنَّى خيار المقاومة من المثبِّطين والقاعدين والمتخلفين بخصوص القضية الفلسطينية ومتعلقاتها في الأراضي العربية من جملة قضايا الإحتلال في العالم الاسلامي في القرن الماضي (التي شهدت مندوحة في أفغانستان والبوسنة وكشمير) من خلال الغفلة عن بعض العناوين، أو من خلال عمل ممنهج لإستبعاد بعض العناوين واستحضار بعضها الآخر في صورة "متشابهة" مضلِّلة تسمح بالاستفادة منها خلاف الواقع .
واكتفي هنا للدلالة بعرض عنوانٍ واحدٍ لمسألة لم أطّلع في ما طالعته من مواقف علماء الإسلام بشأن القضية الفلسطينية على استقلال النظر إليه،بل يمكنني الإدِّعاء أنَّه نادر في خصوص الكلام على القضية الفلسطينية وهو عنوان التفريق في لزوم قبول الجنوح الى السلم بين المحارب المستقر في دولته ووطنه والمستقل بسيادته، وبين المحارب الغاصب لأرض فلسطين والمنشئ لدولة يبحث لها عن سيادة وأمن، بينما نجد الكثير من الكلام على عنوان " الغصب" وتفريعاته الفقهية . وقد لفت نظري إلى هذا العنوان سماحة آية الله الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي حفظه الله في بحثه القيم : الرأي الفقهي في الصلح مع إسرائيل (والذي أقترح أن يُضمَّ إلى أوراق المؤتمر) حيث قال : " لا بد من الكشف عن مفارقة مهمة وقع فيها غير واحد ممن برَّر قضية السلام مع ( إسرائيل ) شرعياً،و هي الاستدلال بآية السلم ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ .
ذلك أن الاستدلال بهذه الآية لا يأتي في موضوعنا هذا ـ و هو قضية فلسطين ـ،لأمرين هما :
1 - إن موضوع قضيتنا يختلف عن مصاديق هذه الآية الكريمة؛ ذلك أن قضية فلسطين أرض إسلامية استلبت، فالحكم الشرعي يفرض استردادها و إعادتها إلى أصحابها الشرعيين و هم المسلمون.
و ما تصدق عليه الآية الكريمة هو الكفار المحاربون الذين هم في ديارهم و أوطانهم لا في دار للمسلمين اغتصبوها من المسلمين،و سياق الآية في القرآن الكريم واضح كقرينة على ذلك.
2 - الحكم في آية السلم مرحلي انتهى بنزول سورة براءة.
و قد أوضح المرحوم سيد قطب هذا في تفسير ( في ظلال القرآن ـ دار الشروق ط 9 سنة 1400 هـ ـ
إنّما أمر الله رسوله أن يقبل مسالمة و موادعة ذلك الفريق الذي اعتزله فلم يقاتله، سواء كانوا قد تعاهدوا أو لم يتعاهدوا معه حتّى ذلك الحين .
و أنه ظل يقبل السلم من الكفار و أهل الكتاب حتّى نزلت أحكام سورة براءة، فلم يعد يقبل إلاّ الإسلام أو الجزية ـ و هذه هي حالة المسالمة التي تقبل ما استقام أصحابها على عهدهم ـ أو هو القتال ما استطاع المسلمون هذا، ليكون الدين كله لله. "
الثاني من أسباب الحاجة إلى إحياء البحث الفقهي: الاستفادة من الحيوية التي ظهرت في متابعة القضية الفلسطينية من قبل العالم الاسلامي بله العالم الانساني بتأثير المجازر بحق أهلنا في غزة 2009 وما أظهرته من تلقّ فعَّال عند أجيال كانت مُغيَّبة عن هذه القضية بما يستعيد أهمية تكليف إبلاغ التأصيل الشرعي إلى عموم الأمة لعنوان المقاومة الاسلامية في فلسطين خصوصا وحيثما لزمت عموما، وبما يحتاط لها من أن تقع أو توضع تحت خانة الارهاب .
ختاما أقول نعم تصدَّى علماء الإسلام منذ أن بدأت عملية إحتلال فلسطين لبيان واجب الأمة ولكن التقادم التاريخي للقضية غيَّبَ الكثير من الجهود وأتاح الفرصة لبعض وعَّاظ السلاطين أن يمارسوا التمويه المؤدي إلى التشكيك بوضع العلماء في مقابل بعضهم في بيان الموقف الشرعي منها وما هو الواجب على المسلمين تجاهها .
فحفظا لدين أبنائنا، وتوثيقا للجهود المبذولة على هذا الصعيد، ومواكبة للاحتياجات المتجددة للمقاومين في معرفة الموقف الشرعي،أقترح على الأمانة العامة للمؤتمر أن تشكل لجنة خاصة تعمل على إعداد موسوعة متخصصة تشتمل على العناوين التالية :
1 – توثيق الموقف الشرعي في تسلسله التاريخي.
2 – تصنيف المسائل الفقهية التي تم بحثها.
3 – تفريع جديد لمسائل تحتاجها المقاومة من خلال الأبواب الفقهية المتعددة والاستفتاء فيها.
إنَّ رفد المقاومين بالسلاح والعتاد والمؤن والتجهيزات الطبية والدعم المعنوي يثستكمل برفدهم بالموقف الشرعي الواجب بيانه على السادة الفقهاء ولن يقعدوا عن ذلك.
بوركت أمة ترفد دماء الشهداء بمداد العلماء، وفَّقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.