أسئلة الوحدة والمقاومة في حوار مع سماحة الشيخ علي خازم
30 صفر 1430 - 25 شباط 2009وكالة رسا للأنباء : حوار عبدالرحيم التهامي
ـ للتعريف بالأداء الوحدوي والوطني لـ"تجمع العلماء المسلمين" بلبنان، ولتقييم مجمل المنجز الوحدوي على صعيد الأمة في علاقة بالمعطيات الإيجابية التي كشفت عنها حرب غزة، ولإلقاء بعض الضوء على الموجة السلفية في لبنان؛ كان لنا هذا الحوار مع سماحة الشيخ علي خازم أمين سر مجلس أمناء التجمع.
* انطلق "تجمع العلماء المسلمين" في لبنان في سياق التصدي للعدوان الصهيوني عام 1982, فكما اقتضى العدوان مقاومة مسلحة فقد اقتضى أيضا إطارا وحدويا لجمع كلمة المسلمين. في تقديركم ما هو المنجز الهام لمشروع "تجمع العلماء المسلمين" ؟
- أهم إنجاز قدمه تجمع العلماء المسلمين مند تأسيسه بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 هو تركيز المقاومة على أساس الإسلام ، وإعادة اعتبار القضية الفلسطينية كقضية مركزية أساسية للمسلمين في لبنان والعالم , وهذا العنوان اقتضى خلال السنوات المتمادية؛ مواجهات مختلفة مع من كان يعمل على بذر الفتنة داخل الصفوف اللبنانية والفلسطينية -على الساحة اللبنانية- أو في المنطقة ككل.
و من جملة الآثار الايجابية الطيبة أن التجمع شكل في عدة مراحل نقطة التقاء للحركات والأحزاب الإسلامية الموجودة على الساحة اللبنانية بما فيها بعض الفصائل الفلسطينية، وقد عقد عددا من اللقاءات والمؤتمرات لتنسيق العمل على هذا المستوى.
كذلك يمكن اعتبار الملف اللبناني الخاص الداخلي محورا من محاور العمل الهام الذي قام به "تجمع العلماء المسلمين" لمتابعة قضايا المسلمين في الساحة اللبنانية، من خلال التعاطي مع عدد من العناوين والقضايا المحلية - إذا صح التعبير- كقضية الزواج المدني الاختياري، أو قضية إلغاء مادة التعليم الديني من المدارس الرسمية وما إليها مما يتعلق بالمحاكم الشرعية والتعديلات التي تطرح عليها.
التجمع هو أيضا إطار يضم من بين أعضائه عددا من قيادات الحركات الإسلامية؛ ولا نقصد بذلك أن التجمع هو ملتقى لهذه الحركات؛ لكن بطبيعة العضوية لعلماء وشخصيات من الحركات الموجودة على الساحة اللبنانية يشكل التجمع منبرا غير مباشر للقاء أسبوعي لهذه القوى لمراجعة القضايا العامة والقضايا اللبنانية الخاصة.
* إلى أي حد حقق التجمع أهدافه، وهل يمكن أن نزعم انه ساهم في نشر ثقافة الوحدة على الصعيد اللبناني القائم على التعدد الطائفي والمذهبي ؟
- يمكن تناول الموضوع من زاويتين، فالتجمع عندما طرح فكرة الوحدة الإسلامية طرحها على المستوى الخاص بين المسلمين، وأعطاها أيضا بعدها الوطني، لذلك تجد أن التجمع بادر إلى ما يسمى باللقاء الروحي التشاوري لممثلي الطوائف الدينية، فنحن نعمل على المستويين؛ على المستوى الإسلامي الداخلي للطوائف الإسلامية الموجودة، وكذلك لدينا لقاءً منتظما آخر والذي تشارك فيه المرجعيات الروحية الإسلامية والمسيحية، نتداعى في مناسبات تقتضي أن يخرج المتدينون في لبنان بموقف اتجاه قضية معينة على المستوى الفلسطيني، أو على المستوى الديني بشكل عام؛ عندما يساء إلى الأديان، أو في المرات التي يُعتدى فيها على شعب من الشعوب سواء كما حصل في الكويت أو العراق أوفي فلسطين وفي غزة مؤخرا. فعلى المستوى الإسلامي الداخلي - كما ذكرت سابقا- لقاءاتنا مستمرة وعملنا مستمر، واستطعنا بجهود التجمع تجاوز العديد من الفتن التي حصلت على الساحة اللبنانية، والكثير يعرف دور التجمع مثلا في حرب المخيمات؛ حيث كان عناصر من التجمع قد دخلوا إلى مخيم الراشدية وصمدوا مع أهل المخيم في عملية الاستنكار لأي حرب داخلية , كذلك كان التجمع حاضرا في العديد من المرات التي حصلت فيها فتنة على الأرض.. وصولا إلى المرحلة الراهنة التي حاول البعض فيها إثارة الفتنة؛ ولكن تم التصدي لها والحمد لله. يمكن قياس صدقية التجمع من خلال ازدياد الرغبة في الانتساب إلى عضويته من كل الأطراف، خاصة من الإخوة علماء السنة، فإن العدد ازداد في الآونة الأخيرة والتي تشتد فيها الضغوط لإحداث الفتنة, يمكن القول أننا نستطيع التواصل مع إخواننا من العلماء من كل المذاهب، وحتى الإخوة الدروز يرغبون بشدة في أن يكونوا معنا على مستوى العضوية؛ علما أنهم يشاركون معنا في الكثير من الأنشطة، إلا أن رغبتهم تتخطى ذلك إلى العضوية والارتباط التفصيلي مع التجمع.
هذه بشكل عام دلالات على الآثار الايجابية للتجمع. الجميع - حتى الذين خاصمونا فترة من الزمن - في لبنان يعتبرون "تجمع العلماء المسلمين" موقعا يحصّن الوحدة الإسلامية وبالتالي فهو يحصّن الوحدة الوطنية.
* إذا استحضرنا التجربة الوحدوية ليس في لبنان فقط؛ بل وحتى من خلال "المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية" فإننا نجد من يلاحظ على الحركة الوحدوية والتقريبية عموما أنها لازالت حركة محتشمة، خجولة..و مترددة بفعل ضغوطات الواقع المذهبي والطائفي السائد في الأمة..هل تتفقون مع هذا التقييم ؟
- إن المعيار الذي يقيس عليه البعض مدى تقدم أطروحة الوحدة الإسلامية يجب أن يكون موحدا في البداية حتى لا نختلف، إن هناك من يرى أنه لا يوجد أي تقدم، وهناك من يقول أن هناك تقدما قويا وبارزا وواضحا.
وإذا كان المراد أن ترتفع الخلافات بين المسلمين سواء على المستوى المذهبي أو حتى على المستوى السياسي؛ فإن هذا أمر لا يمكن إدراكه على إطلاقه، لكننا ننظر إلى المسألة بعين المراقب لما كان قائما خصوصا قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، و لِما يُعدّ ويدفع به في ساحات العالم الإسلامي من جهود الأعداء لترسيخ التجزئة والتفرقة والفتنة بين المسلمين, إذا نظرنا على هذا المستوى فإننا نجد بعكس النظرة الأولى أن هناك ثمارا مهمة جدا وواضحة أيضا رغم ظهور بعض نماذج الخلاف التي تصر على إحياء الفتن، وعلى إحياء العناوين التي تُبعد المسلمين بعضهم عن بعض، وأبرز مثال على ذلك - دعنا نتحدث عن قضيتين حصلتا مؤخرا - ما أثير حول تصريحات فضيلة الشيخ القرضاوي ،وتصريحات المفتي الشيخ علي جمعة، فرغم بعض الحدة التي حصلت في بعض الردود على تصريح الشيخ القرضاوي؛ إلا أن الأمور انتهت باستعادة الجو الوحدوي الدافئ. وكذلك في قضية تصريحات الشيخ علي جمعة حول جواز التعبد وفق المذهب الجعفري، فإنه أحيا قضية كانت مطروحة قبل عقود والذين يواجهونه اليوم إنما يدينون أنفسهم من حيث لا يشعرون, هذه القضية الأخيرة بالاخص هي من ثمار العمل الذي أنجز ضمن الأطروحة الإستراتيجية التي طرحها الإمام الخميني (قده) والتي تبنتها الجمهورية الاسلامية بقيادة السيد الخامنئي (دام ظله) .
العالم يتقدم والنظرة إلى أهمية الوحدة الإسلامية تأخذ أبعادها وتتغلغل في نفوس الناس، والجهد الضخم الذي يبذل للتفتيت والتجزئة يدل على مدى رسوخ واستقرار والاستمرار في انتشار فكرة الوحدة الإسلامية بين المسلمين .
* هذه النقطة بالتحديد كاشفة عن إمكانات وحدوية هائلة في أوساط الأمة، وتؤكد أن الأصل في الأمة أنها أمة, في حرب تموز 2006 وقفنا على هذا الالتفاف الجماهيري حول المقاومة وبدا في حينها أن كل مفاعيل الفرقة والاستثمار في الفتنة قد تبخرت، نفس المشهد يتكرر في سياق العدوان على غزة، فالأمة على اختلاف مذاهبها تختار الوقوف إلى صف المقاومة..ما هي في نظركم آليات توظيف هذا المعطى والبناء عليه؟
- أوافق على ما تفضلتم به، هذه الأمة واحدة، وهذا التوحيد سواء على مستوى التشريع الإلهي أو على مستوى اعتبارها فعليا أنها امة واحدة؛ يتجلى دائما في المواقف الأساسية والتي تمس جوهر و كيان الأمة، إن السيادة التي نتحدث عنها أحيانا في ما يخص بعض الدول يمكن تلمسها بعنوان كرامة الأمة عندما تتعرض بعض عناصر هذه الأمة للاعتداء, وبذلك يمكن تفسير التوافق الطبيعي الذي يحصل بين أفراد هذه الأمة في مختلف المناطق رغم البعد الجغرافي الكبير، وحتى رغم الإقامة في بعض الدول التي قد تكون مؤيدة للعدوان على شعب من الشعوب الإسلامية.
إن هذا التلاحم الذي أبدته الأمة سواء في حرب تموز أو في حرب غزة، كنا نجده سابقا في كل مراحل الثورات أو في مراحل المواجهات مع الغزاة في عالمنا الإسلامي، وهذا من بقية الخير الموجود في هذه الأمة في استشعارها لوحدتها، أما هل حصل استثمار كامل لهذا الانجاز؟ فالاستثمار يُسأل عنه القوى الفاعلة؛ سواء الدول أو الحركات ..هاهنا لابد من النظر إلى أن حرب غزة لها ما بعدها، وبعد غزة يجب أن يكون موضعا للنقاش وللتحاور خصوصا بين الحركات و الأحزاب الإسلامية الموجودة في أنحاء العالم الإسلامي للاستفادة من هذه الفرصة من جهة، وللتوقع بما سيكون عليه الموقف الإسرائيلي والغربي بعد هذا الصمود والانتصار الذي حققه الشعب الفلسطيني. وإن التجربة التركية على المستويينالرسمي والشعبي مثلا تحتاج إلى قراءة معمقة .
الاستثمار إذا على المستويين ممكن، للدول أن تدرس وتعيد بعض حساباتها خاصة بعض الدول التي مازالت ترى إمكانية الحل السلمي لمشكلة فلسطين،فيجب أن يعاد النظر في هذا التوجه، كذلك يجب على بعض القوى والأحزاب الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي أن تعيد فلسطين لتكون جزء أساسيا من برامجها السياسية في نشاطها وفي نضالها داخل تلك الدول، وأن تعيد القضية الفلسطينية كنقطة مركزية في قراءاتها السياسية وفي علاقات دولها مع العالم.
* بالعودة إلى الوضع اللبناني هناك ظاهرة ملفتة ومقلقة في الآن نفسه، فهناك من يعمل دائما على تحويل الصراع السياسي إلى صراع مذهبي..حصل ذلك قبل مؤتمر الدوحة ونلحظ الآن انبعاثا قويا للمناخ المذهبي في سياق الاستعداد للانتخابات النيابية التي سيعرفها لبنان قريبا.. في تقديركم كيف يمكن فك هذا الارتباط والتداخل بين السياسي والمذهبي في توظيفاته السلبية؟
- بصراحة قد يكون من الصعب في لبنان -خصوصاً -التفكيك ما بين السياسي والمذهبي، طبيعة التربية السياسية اللبنانية والناشئة من طبيعة النظام اللبناني تقتضي الترابط بين أتباع الطوائف والقيادات الأساسية الموجودة في طوائفها بعيدا عن أي برنامج سياسي خلافا لأي دولة من الدول الأخرى.
هذه واحدة من المشكلات التي نعاني منها في لبنان، فحتى الأحزاب العلمانية توصف بأحزاب طوائف، مثلا عندما نذكر الحزب القومي السوري يتبادر إلى الذهن عند اللبنانيين أنه حزب الروم الأرتدوكس، رغم أنهم علمانيون, لكن طبيعة الواقع اللبناني والكتل البشرية الموجودة عندما تنحاز إلى جهة سياسية فإنها تكيّف نظرة الناظر إليها، أي النظرة إليها لا من جهة العقائد السياسية التي تحملها، ولكن من خلال المذهب الغالب على أعضائها ككتلة بشرية .
و في بعض الأحزاب لا تجد من قيادات أو حتى الأعضاء المنتسبين إلا من الطائفة نفسها. هذا التداخل الموجود يصعـّب الأمور أحيانا، ويحتاج إلى جهد كبير لمواجهته وتفكيكه وإعادة الأمور إلى نصابها غير المذهبي؛ كونها لا تتعدى أن تكون خلافات سياسية صرفة وليست خلافات مبنية على أساس مذهبي, فالجهود تبدل في سياق هذا الاستغلال السياسي للمذهبية والطائفية، ولا تتوقف وخصوصا في مراحل معينة مثل قضية الانتخابات سواء كانت بلدية وحتى النقابية،وإذا كنت تجد من يُمذهب الخلاف السياسي فهناك أيضا من يحاول أن يعقلن الأمور ويعيدها إلى نصابها .
الموضوع قائم وجدلي، والغلبة مرة تكون لأنصار التسييس المذهبي، ومرة أخرى يعاد تحكيم العقل والنظر على أساس موضوعي.
* في آذار القادم إن شاء الله سينعقد في طهران المؤتمر 22 للوحدة الإسلامية تحت شعار "الأمة الإسلامية والخطط الإستراتيجية لمواجهة تحديات وحدتها". ما هو تقييمكم للتجربة الوحدوية التي سهر عليها مجمع التقريب؛ هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى ما هي توقعاتكم وانتظاراتكم من هذا المؤتمر في علاقة بالسياق التاريخي والتحديات التي تواجه الأمة ؟
- مجمع التقريب إلى الآن يقوم بالدور الذي نشأ على أساسه وهو استكمال رسالة جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، ومن خلال متابعتي فإنني أجد انه يتيح الكثير من الفرص؛ سواء في مؤتمره الخاص أو في أنشطته المتعددة التي يقوم بها في التقارب بين المسلمين، ويخلق فرصة التعرف على الأسس التي يمتلكها كل مذهب في خصوصية موقفه العقائدي أو الفقهي، الأمر الذي يساعد في تبني مواقف معينة، ويساعد أيضا في إيجاد مواقف إسلامية واحدة في العديد من القضايا التي ينبغي للمسلمين أن يعالجوها في عالمنا المعاصر .
على هذا الأساس دور مجمع التقريب يتعاظم ويزداد أهمية يوما بعد يوم، وهو إلى جانب بعض المؤسسات الأخرى يقوم بمحاولة هادفة وجادة لإيجاد أساس تنطلق على ضوءه المواقع الفعالة في عالمنا الإسلامي، وللإنصاف فإنه لا يمكن أن يطـَالب مجمع التقريب بالمقابل أن يحل كل المشاكل التي تقتضي -أحيانا- إعمال سياسات دول وآليات دول.
عنوان المؤتمر القادم من العناوين المهمة جدا ،المشاركون - في توقعي- سيكونون على مستوى من التخصص والخبرة بحيث يمكن إيجاد مادة أساسية للعمل، ومن المهم أن يستفاد من هذه التجربة من قِـبل المواقع العاملة والمباشرة للعمل الوحدوي.. سواء دول أو أحزاب أوقوى إسلامية وسياسية .
* المقاومة في لبنان صنعت لحزب الله موقعا رائدا على صعيد لبنان وعلى صعيد الأمة.. في تقديركم ماذا حقق نهج الاعتدال الفكري و المذهبي في إعلام حزب الله وفي خطه السياسي من رصيد إضافي للحزب والمقاومة؟
- من بعد التحرير في عام 2000 يمكن الكلام عن مرحلة جديدة في نظرة اللبنانيينالىحزب الله، فأثناء فترة المقاومة وفترة الاحتلال الكامل للأراضي اللبنانية كان يمكن للبعض أن تكون لديه صورة غائمة عن "حزب الله" والمقاومة, لكن ما حصل بعد التحرير، واستلام السلطة في لبنان زمام الأمور الأمنية والاجتماعية على الساحة، وانسحاب المقاتلين والمجاهدين إلى مواقعهم من دون أن يكون لديهم أي خطأ؛ خصوصا في المناطق التي كانت محتلة، هذا الجو أعطى صورة ايجابية جدا عن موقع "حزب الله" كمدير-إن صح التعبير- لعمليات المقاومة، لأن الحزب بعد ذلك تحول للعمل على الساحة السياسية, ثم إن التجربة أكدت أن حزب الله إلى اليوم حزب لبناني، وان كان ينطلق من خلفية إسلامية إلا انه يستطيع أن يسوغ مواطنيّة لبنانية تحترم كل المواطنين الآخرين باعتقاداتهم المختلفة، ويمكنه أيضا أن يسوغ موقفا نضاليا اتجاه أي قضية مطلبية أو اجتماعية أو سياسية لا تختلف مع الإسلام وأيضا لا تختلف مع عقائد الآخرين؛ إنما تعيدها إلى حجمها الإنساني الذي يشترك فيه كل المواطنين اللبنانيين, ولذلك يمكن أن تجد اليوم في الساحة اللبنانية عدا عن التفاهم القائم فعليا مع "التيار الوطني الحر" مثلا أو مع "تيار المردة" من الطائفة المارونية؛ يمكن أن تجد أنصارا لمواقف حزب الله من كل الطوائف، وبتعبير أحد قيادات حزب الله فالأفكار صارت عابرة للطوائف وللمناطق لأن "حزب الله" والمقاومة أنسنت كل القضايا، وتستطيع أن تتقدم بها لتكون رائدة في العمل الاجتماعي والسياسي على الساحة اللبنانية.
هذه التجربة نتمنى على القوى الإسلامية في العالم أن تستفيد منها، وأن تؤكد بذلك فرصة عولمة الإسلام -إذا صح التعبير- ليأخذ بأيدي الشعوب لمواجهة القضايا التي يعيشها عالمنا المعاصر.
* تنظيم "فتح الإسلام" وأحداث "مخيم نهر البارد" وما لحقها، كشفت عن قرار إقليمي لتفعيل الواقع السلفي في لبنان من باب إعادة صياغة التوازن الداخلي بعد انتصار تموز. هل هناك إمكانية فعلية لصعود المشروع السلفي في لبنان؟
- حقيقة الكلام عن المشروع السلفي؛ وحتى لا نقع في المبالغة، تقتضي الإشارة إلى أن ما يوجد على الساحة اللبنانية هو حالات سلفية ليست مشروعا واحدا، والغالب على العديد من هذه المجموعات هو التفاهم والتعاون مع "حزب الله" أو مع القوى الإسلامية الأخرى؛ كـ"الجماعة الإسلامية" و"حركة التوحيد" و"حزب التحرير" و"جبهة العمل الإسلامي" أو مع شخصيات علمائية .
بعض هده الجهات السلفية كان قد تقدم لإعلان وثيقة تفاهم مع "حزب الله"، وإن كانت بعض الظروف اقتضت تعليق هذه الوثيقة لكن هذا التعليق لا يدل إلا على قابلية الاستمرار، إذا فعلى الساحة توجد مجموعات مختلفة وليس هناك مشروعا واحدا،المجموعات السلفية التي يمكن أن تشكل خطرا على الساحة ككل، وليس خطرا فقط على قضية التعايش الداخلي، هذه المجموعات حجمها محدود وهامش تحركها أيضا محدود, أما المجموعات الوازنة والتي كما يعبر عنها تجد حضورا؛ فهي إما أنها تتفق في إطار عام مع القوى الإسلامية الأخرى، وإما أنها مضبوطة أيضا تحت سقف سياسي لا تستطيع أن تتجاوزه.
بعض الجهات تحاول أن تسيّس بعض الأعمال في لبنان، ودائما يمكن استغلال الناس، و يمكن استغلال بعض العناوين, لكن فرصة استغلال العنوان السلفي في لبنان شبه مستحيلة ، لأن لبنان مشكل من مجموعة طوائف، اليوم هناك 18 طائفة، ليست كلها إسلامية، خمسة منها فقط طوائف إسلامية، والباقي هي طوائف مسيحية، وبالتالي فالاستغلال السياسي للعنوان السلفي يضر بكل صاحب مشروع سياسي في لبنان , وبالنتيجة فالمخاطر التي يُتحدث عنها لا توجد بالحجم الواقعي لهذه المجموعات، ولا من جهة قابلية استغلالها من أصحاب مشروع سياسي لبناني ,إلا إذا كان المشروع أكبر من أن يكون مشروعا سياسيا لبنانيا، من منطلق أن لا مصلحة في استثماره من قبل السياسيين اللبنانيين، وآنذاك تكون المسألة قد تحولت إلى مشروع إرهابي وليس إلى عنوان سياسي داخلي.